باب في الاقتصاد في العبادة 2

بطاقات دعوية

باب في الاقتصاد في العبادة 2

وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها وقالوا : أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدا . وقال الآخر : وأنا أصوم الدهر أبدا ولا أفطر . وقال الآخر : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا . فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فقال : (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني )) متفق عليه .

لا ينبغي للمسلم أن يتكلف ما لا يطيق من العبادة، وعليه أن يبتعد عن الغلو متأسيا في ذلك بأتقى الخلق وأخشاهم لله محمد صلى الله عليه وسلم؛ فخير الهدي هديه
وفي هذا الحديث يخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أنه جاء ثلاثة رهط -والمقصود ثلاثة رجال- إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وسألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم، فأخبروا بكمها وكيفها، فكأنهم تقالوها، أي: رأوها قليلة، وقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟
فعزم أحدهم على قيام الليل أبدا دون انقطاع، والثاني: على صيام الدهر وألا يفطر، والثالث: ألا يتزوج أبدا، ويعتزل النساء.
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم جاءهم وقال لهم مستنكرا عليهم: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له»، أي: مع كوني أكثركم خشية لله وأكثركم تقوى له، ولكني مع ذلك لا أبالغ في العبادة المبالغة التي تريدون؛ فإني أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وأقوم وأنام؛ وذلك لأن المتشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد؛ فإنه أمكن لاستمراره، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه، ثم حذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو والابتعاد عن سنته في العبادة، فقال لهم: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، أي: فمن أعرض عن نهجي وطريقتي فإنه بعيد كل البعد عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم. فإن كان ميله عن سنته صلى الله عليه وسلم عن كره لها أو عدم اعتقاد بها، كان كافرا خارجا عن الإسلام. وإن كان ميله عنها لغير ذلك، فإنه مخالف لطريقته صلى الله عليه وسلم السهلة السمحة التي لا تشدد فيها ولا عنت.
وفي الحديث: الأمر بالترفق في العبادة، مع المحافظة عليها وعلى الفرائض والنوافل؛ ليراعي المسلم حقوق غيره عليه
وفيه: الزجر عن التشديد على النفس في العبادات بما لا تطيق
وفيه: بيان ما كان عليه الصحابة من حرص على العبادة وهمة عالية في التقرب إلى الله عز وجل