باب في التشديد في ترك الجماعة
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار»
صلاة الجماعة من شعائر الإسلام، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بها، وحذر من تركها والتهاون في أمرها، وفي هذا الحديث تحذير شديد ووعيد منه صلى الله عليه وسلم لمن يتخلف عن صلاة الجماعة بلا عذر؛ فقد أقسم صلى الله عليه وسلم قائلا: «والذي نفسي بيده»، وهو قسم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقسم به، ومعناه: والله الذي نفسي بيده، وفيه إثبات اليد لله تعالى على ما يليق بجلاله، يقسم صلى الله عليه وسلم قائلا: «لقد هممت أن آمر بحطب، فيحطب»، يعني: لقد قصدت أن آمر بحطب -وهو ما جف من زرع وشجر- فيجمع هذا الحطب، ثم آمر أن يؤذن للصلاة، ثم آمر أن يؤم الناس رجل في صلاة الجماعة، ثم أتخلف عن الجماعة ومخالفا ما أظهرته من إقامة الصلاة، وأذهب إلى ناس تركوا صلاة الجماعة ويصلون في بيوتهم، فأحرق عليهم بيوتهم. ثم أعاد النبي صلى الله عليه وسلم القسم مرة ثانية للمبالغة في التأكيد، فقال: «والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء»، والعرق: هو العظم الذي عليه بقية لحم قليلة، والمرماتان: مثنى مرماة، وهي ظلف الشاة، والمقصود بها ما بين ظلفي الشاة من لحم، والظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، والمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم يقسم أن هؤلاء الناس الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة بلا عذر، لو علموا أنهم لو حضروا الصلاة لوجدوا نفعا دنيويا من المطعومات مثلا، وإن كان خسيسا حقيرا؛ لحضروها وكانوا مع المصلين؛ لقصور همتهم على الدنيا، وعدم الحرص على ما ينفعهم في الآخرة
وفي الحديث: التشديد في أمر الجماعة، والترهيب من تركها بغير عذر
وفيه: مشروعية إمامة المفضول مع وجود الفاضل إن كان في ذلك مصلحة