باب في الرجل يطلق امرأته وهي حائض 1
بطاقات دعوية
عن نافع أن ابن عمر - رضي الله عنهما - طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يرجعها ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء فكان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض يقول أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يراجعها ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها وأما أنت طلقتها ثلاثا فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك. (م 4/ 180
الطَّلَاقُ المشروعُ هو أنْ يُطلِّقَ الرَّجُلُ امرأتَه طَلْقَةً واحدةً وهي طَاهِرٌ دُونَ أنْ يُجامِعَها في ذلك الطُّهْرِ، ويُسمَّى الطَّلاقَ السُّنيَّ، وأمَّا الطَّلاقُ المنهيُّ عنه فهو أنْ يُطلِّقَ الرَّجلُ امرأتَه أكثرَ مِن طَلقةٍ في لفْظٍ واحِدٍ، أو يُطلِّقَها وهي حائضٌ، أو في طُهرٍ قدْ جامَعَها فيه، وهو ما يُسمَّى الطَّلاقَ البِدْعِيَّ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه طَلَّقَ امرأتَه -واسمُها آمِنةُ بِنتُ غِفارٍ- في عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حالَ حَيْضِها ولم تكُنْ قد طَهُرَت بَعْدُ، وذَكَر عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه هذا لرَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فغَضِب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما؛ لأنَّ الطَّلاقَ حالَ الحَيضِ بِدعةٌ مُخالِفةٌ لأمرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وأَمَره أنْ يُرجِعَ امرأتَه إلى عِصْمَتِه، ثُمَّ تَظَلَّ عنده حتَّى تَطْهُرَ مِن حَيْضَتِها التي طلَّقها فيها، ثُمَّ تَحِيضُ بعْدَها فتَطهُر، فإنْ شاء أنْ يُطلِّقَها في هذا الطُّهرِ فَلْيَفْعَلْ بشَرطِ ألَّا يكونَ قدْ جَامَعها فيه، «فتِلْكَ» الحالُ، أي: حالُ الطُّهْرِ مِنَ الحيضةِ الثَّانيةِ هي «العِدَّةُ» أي: زَمَنُ الشُّروعِ في عِدَّةِ الطَّلاقِ الثَّاني إنْ طلَّقها، كما أَذِنَ اللهُ أن يُطَلَّقَ فيها النِّساءُ، أي: في قولِه تعالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. والمعنى: طَلِّقوهنَّ في وقْتٍ تَبدَأُ فيه النِّساءُ بالشُّروعِ والدُّخولِ في العِدَّةِ، وهو أن يقَعَ الطَّلاقُ حالَ طُهرِها، لا حالَ حيضِها؛ وذلكَ أنَّها بالطُّهرِ تَقدِرُ على إحصاءِ عِدَّتِها، وهي ثَلاثةُ قُروءٍ، والقُرْءُ هو الحَيضُ، وقيل: الطُّهْرُ.
ويَقَعُ الطَّلاقُ إذا كان سُنيًّا أو بِدْعيًّا، فلا يلزَمُ مِن كَونِ الطَّلاقِ البِدعيِّ منهِيًّا عنه عَدَمُ وُقوعِه، فقط يَلحَقُ الإثمُ لِمَن تعَمَّده مع حُصولِ الطَّلاقِ.
ولعلَّ سَبَبَ النَّهيِ عنه تضَرُّرُ المُطَلَّقةِ بطُولِ مُدَّةِ الترَبُّصِ؛ لأنَّ زَمَنَ الحَيضِ لا يُحسَبُ مِنَ العِدَّةِ، ومِثْلُه النِّفاسُ.
وفي الحَديثِ: حِرْصُ الإسلامِ على تضييقِ دائِرةِ الطَّلاقِ قَدْرَ المُستطاعِ، وإن حدث يكونُ دونَ وُقوعِ ضَرَرٍ على أحَدِ الزَّوجَينِ.