باب في الشعر وإنشاده
بطاقات دعوية
عن الشريد - رضي الله عنه - قال ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء قلت نعم قال هيه (1) فأنشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت. (م 7/ 48
الشِّعرُ كَلامٌ مَوزونٌ مُقفًّى، اهتَمَّ به العربُ، وكان حاضرًا في نَوادِيهم وجَماعتِهم، واستَعمَلوه في أغراضٍ كَثيرةٍ، منها الفاحشُ كالهِجاءِ والغزَلِ، ومنها الحسَنُ كالمدْحِ المَقبولِ، والدِّفاعِ عن الحقِّ، ثمَّ جاء الإسلامُ فأباحَ منه ما اشتَمَلَ على المعاني الحَسَنةِ والأغراضِ النَّبيلةِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي الشَّرِيدُ بنُ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه رَكِب يومًا خَلْفَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على دابَّتِه، فسَأله النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هل معك مِن شِعْرِ أُمَيَّةَ بنِ أبي الصَّلْتِ شَيءٌ» تَحفَظُه فتُسمِعُني إيَّاه؟ وإنَّما اسْتَنْشَدَ شِعْرَ أُمَيَّةَ؛ لِمَا في غالبِ شِعْره مِنَ الإقرارِ بوَحْدانِيَّةِ الله تَعالَى والبَعْثِ، وكانَ أُمَيَّة مِن قَبيلةِ ثَقيفً، أَدْرَكَ مبادِئَ الإسلامِ وبلَغَه خبرُ المَبْعَثِ، لكنَّه لم يُوفَّق للإيمانِ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي الصَّحيحينِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «كادَ أُمَيَّةُ بنُ أبي الصَّلْت أنْ يُسلِمَ».
فأجاب الشَّرِيدُ: «نَعَمْ» أحفَظُ مِن شِعرِه، قال: «هِيهِ» أي: هاتِ وأسْمِعْني ما عندكَ مِن شِعرِه، فأَنْشَدَه الشَّرِيدُ بيتًا مِن أشعارِ أُمَيَّةَ، فأَعْجَبَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: «هِيهِ» وهي كَلمةٌ تُقالُ للاستزادةِ مِن الحديثِ، فأَنْشَدَه بيتًا آخَرَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هِيهِ»، وهكذا ظَلَّ يَستزِيدُه وهو يُنشِدُ حتَّى أنشدَه الشَّريدُ رَضيَ اللهُ عنه مائةِ بيتٍ مِن شِعرِ أُميَّةَ.
وهذا يدُلُّ على أنَّ المذمومَ مِن الشِّعرِ هو ما اشتَمَلَ على الكفرِ أو على الفِسقِ كالدَّعاوي الكاذبةِ، أمَّا ما يَشتمِلُ على المعاني الحَسَنةِ والطَّيِّبةِ فلا شَيءَ فيه.
وفي الحديثِ: التَّسلِّي والاستفادةُ والاستماعُ للكلامِ الحقِّ، وإنْ كان مِن غيرِ مُسْلمٍ.
وفيه: حِفظُ الأشعارِ الحَسَنةِ، والاعتناءُ بها.