باب في ترك القسم لبعض النساء

بطاقات دعوية

باب في ترك القسم لبعض النساء

 عن عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس - رضي الله عنهما - جنازة ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بـ (سرف) فقال ابن عباس هذه زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا وارفقوا فإنه كان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع فكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب (2). (م 4/ 175

في هذا الحَديثِ يحكي التَّابِعيُّ عطاءُ بنُ أبي رباحٍ أنهم حَضَروا مع عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما جِنازةَ أمِّ المُؤمِنينَ مَيْمونةَ بنتِ الحارثِ رضِيَ اللهُ عنها زَوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -وكانت خالةَ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهم- وكانت الجنازةُ بِسَرِفَ، وهو مَوضعٌ خارجَ مكَّةَ على بُعدِ سِتَّةِ أميالٍ (10 كم تقريبًا) مِنها، فقال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: «هذه زَوجةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»؛ لِيُذكِّرَهم بفَضلِ مَن يَحمِلونَ جِنازتَها ومَكانتِها، ثمَّ قال: «فإذا رفَعْتُم نَعْشَها»، والنَّعشُ: هو السَّريرُ الَّذي يُوضَعُ عليه الميِّتُ، «فلا تُزَعْزِعوها» من الزَّعْزَعةِ، وهو تحريكُ الشَّيءِ الذي يُرفَعُ، «ولا تُزلزِلوها» من الزَّلزلةِ، وهي الاضطِرابُ، «وارفُقوا»، أي: لا تحرِّكوها حرَكةً شَديدةً، بلْ سِيروا بها سَيرًا وسَطًا مُعتدِلًا؛ فإنَّ حُرمتَها بعْدَ مَوتِها باقيةٌ كَحرمتِها في حَياتِها.
ثمَّ ذكَرَ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان له تِسعُ زَوجاتٍ، أي: قدْ تُوفِّيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهنَّ في عِصْمَتِه، وهنَّ: سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَةَ، وعائشةُ، وحَفْصةُ، وأُمُّ سَلَمَةَ، وزيْنبُ بنتُ جَحشٍ، وأُمُّ حَبيبةَ بنتُ أبي سُفْيانَ، وجُوَيْرِيةُ، وصَفيَّةُ، ومَيْمونةُ، رضِيَ اللهُ عنهنَّ، «وكان يَقسِمُ لِثَمانٍ» منهنَّ، وهو المبِيتُ عند كُلِّ واحِدةٍ مِنهُنَّ بقَدْرِ ما يَبِيتُ عند غَيرِها بالتَّساوي، «ولا يَقسِمُ لِواحدةٍ» وهي أمُّ المُؤمِنينَ سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَةَ رضِيَ اللهُ عنها، وقد وَهَبتْ ليْلتَها لأمِّ المُؤمِنينَ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها؛ لأنَّها كانت قد كَبِرَت وخافت أن يُطَلِّقَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتَنازَلتْ عَن ليْلتِها لِعائشةَ رضِيَ اللهُ عنها؛ لِتبْقى في عِصمتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الدُّنيا، وتكونَ زَوْجةً له في الآخرةِ، فقَبِلَ منها ذلك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقيل: إنَّها أرادتْ بتلك الهبةِ رِضا رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقدْ كانت تَعلَمُ مَحبَّتَه لِعائشةَ رضِيَ اللهُ عنها.
وفى الحديثِ: أنَّ حُرمةَ المسلمِ ميِّتًا كَحُرمتِه حَيًّا.
وفيه: بَيانُ ما لِأُمَّهاتِ المؤمنينَ رضِيَ اللهُ تعالَى عنهنَّ مِنَ الاحترامِ، والتَّعظيمِ أكثرَ مِن غيْرِهنَّ.