باب في ريح الصبا والدبور
بطاقات دعوية
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور. (م 2/ 27
اللهُ سُبحانه يُؤيِّدُ أَنبياءَه ورُسلَه بما يُريدُ، ويَنصُرُهم بما يَشاءُ، وقدْ خصَّ بَعضَ الأنبياءِ بمُعجِزاتٍ حِسِّيَّةٍ تَظهَرُ لهِدايةِ أقوامِهم، وإثباتِ نُبوَّتِهم ورِسالتِهم، وفي هذا الحديثِ يُبَيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه نُصِرَ «بالصَّبا»، وهي الرِّيحُ الَّتي تَهُبُّ مِن المَشرقِ، وقِصَّةُ الحديثِ أنَّ اللهَ تعالَى أرسَلَ رِيحًا باردةً في لَيلةٍ شاتيةٍ يومَ الخَندَقِ على الأحزابِ الذين تَجمَّعوا لِمُحارَبةِ المسلِمينَ، فقَلَعَتْ خِيامَ الكافِرينَ، وأطْفَأَتْ نِيرانَهم، وقَلَبَت قُدورَهم، وكان ذلك مِن أسبابِ رُجوعِهم وانهزامِهِم، وكان ذلك مُعجِزةً لرَسولِ اللهِ، وفضْلًا مِن اللهِ تعالَى على المسلمينَ.
ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وأُهْلِكَت عَادٌ بِالدَّبورِ»، وهي رِيحٌ تَهُبُّ مِن الغَربِ، سلَّطها اللهُ على قَومِ هُودٍ سَبعَ لَيالٍ وثَمانِيةَ أيَّامٍ حُسومًا -أي: مُتتابعةً- فأَهلَكَتْهم وقَضَت علَيهم.
وقد قيل: إنَّ الصَّبا: هي التي تَجِيءُ مِن خلْفِ ظَهْرِك إذا استَقبَلْتَ القِبلةَ، والدَّبورُ: الرِّيحُ التي تَجِيءُ مِن قِبَلِ وَجْهِك إذا استَقبلْتَ القِبلةَ.
وهذا الحديثُ ممَّا يدُلُّ على أنَّ الرِّيحَ تَأتي تارةً بالرَّحمةِ، وتارةً بالعذابِ، فلْيَحذَرِ الناسُ ولْيُقدِّموا الطاعاتِ، ولا يَغتَرُّوا بعَلاماتِ اللهِ الكَونيَّةِ؛ فقد يكونُ في إحداها عَذابٌ.
وفي الحديثِ: أنَّ بَعضَ الرِّياحِ نَصْرٌ ورَحمةٌ؛ كالصَّبا، وبَعضَها عَذابٌ؛ كالدَّبورِ.
وفيه: بَيانُ تَفضيلِ المخلوقاتِ بَعضِها على بَعضٍ وتَمايُزِها، مِثلُ هَواءِ الرَّحمةِ وهَواءِ العَذابِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ إخبارِ المرْءِ عن نفْسِه بما خَصَّه اللهُ به على جِهةِ التَّحدُّثِ بنِعمةِ اللهِ، والاعتِرافِ بها، والشُّكرِ له، لا على سَبيلِ الفخْرِ.
وفيه: الإخبارُ عن الأُمَمِ الماضيةِ وإهْلاكِها، والاتِّعاظُ بها.