باب في فضائل الزبير بن العوام رضي الله عنه 2
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن الزبير قال كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطم حسان فكان يطأطئ لي مرة فأنظر وأطأطئ له مرة فينظر فكنت أعرف أبي إذا مر على فرسه في السلاح إلى بني قريظة قال وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير قال فذكرت ذلك لأبي فقال ورأيتني يا بني قلت نعم قال أما والله لقد جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ أبويه فقال فداك أبي وأمي. (م 7/ 128
الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ هو أحَدُ العَشَرةِ المَشْهودِ لهم بالجنَّةِ، وأحَدُ الثَّمانيةِ الَّذين سَبَقوا إلى الإسْلامِ، وأحَدُ الخَمسةِ الَّذين أسْلَموا على يدَيْ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ، وأحَدُ السِّتَّةِ أصْحابِ الشُّورى الَّذين تُوفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو عنهم راضٍ، ويَتَناولُ هذا الحَديثُ جُزءًا ممَّا قدَّمَه رَضيَ اللهُ عنه في خِدمةِ الإسلامِ؛ فيَرْوي ابنُه عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لمَّا كان يومُ الأحْزابِ في السَّنةِ الرَّابِعةِ مِن الهِجْرةِ، حيث تَحالَفَت قُرَيشٌ معَ مُشْرِكي العرَبِ ومعَ بَعضِ اليَهودِ لمُحارَبةِ المُسلِمينَ في المَدينةِ، فحاصَرَت قُرَيشٌ ومَن معَها المُسلِمينَ بالمَدينةِ، وحَفَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الخَندَقَ حَولَ المدينةِ، وفي هذه الغَزْوةِ جُعِلَ عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ وعُمَرُ بنُ أبي سَلَمةَ في النِّساءِ؛ لأنَّهما كانا صَغيرَينِ، وقدْ جُمِعَ الأطْفالُ والنِّساءُ والشُّيوخُ في مَكانٍ آمِنٍ في حِصنٍ لحسَّانَ بنِ ثابتٍ وَرِثَه عن آبائِه، وكان مِن أكثَرِ حُصونِ المَدينةِ مَنَعةً.
وفي أيَّامِ هذه الغَزْوةِ رَأى عبدُ اللهِ أباهُ الزُّبَيرَ يَختَلِفُ -أي: يَذهَبُ ويَجيءُ على فرَسِه- إلى بَني قُرَيْظةَ مرَّتَينِ أو ثَلاثًا، وبَنو قُرَيْظةَ قَبيلةٌ مِن يَهودِ المَدينةِ، وكانوا مِن جُملةِ الأحْزابِ، وبعْدَ انْتِهاءِ المَعرَكةِ، ورُجوعِ المُحارِبينَ إلى أهْليهم، أخبَرَ عبدُ اللهِ أباهُ الزُّبَيرَ أنَّه رآهُ يَذهَبُ ويَجيءُ على فرَسِه، فقال له الزُّبَيرُ رَضيَ اللهُ عنه: «وهلْ رَأيْتَني يا بُنيَّ؟ قال: نَعمْ»، ثمَّ أخبَرَه الزُّبَيرُ سَببَ اختلافِه، فقال: «كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: مَن يأْتِ بَني قُرَيْظةَ، فيَأْتيني بخَبرِهم؟» أي: مَن يَذهَبُ إليهم يَتحسَّسُ أخْبارَهم، وعِدَّتَهم، وغيرَ ذلك؟ فانطلَقَ الزُّبَيرُ رَضيَ اللهُ عنه إليهم، فلمَّا رَجَع بخَبرِهم جَمَع له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أبوَيْه، فقال له: «فِداكَ أبي وأمِّي»؛ تَعْظيمًا وإعْلاءً لقَدْرِه؛ لأنَّ الإنْسانَ لا يَفْدي إلَّا مَن يُعظِّمُه، فيَبذُلُ نفْسَه له.
وفي الحَديثِ: صِحَّةُ سَماعِ الصَّغيرِ المُدرِكِ.
وفيه: مَنقَبةٌ للزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ رَضيَ اللهُ عنه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَداهُ بأبوَيْه.