باب في فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه 2
بطاقات دعوية
عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع له أبويه يوم أحد قال كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (2) فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ارم فداك أبي وأمي قال فنزعت له بسهم ليس فيه نصل فأصبت جنبه فسقط فانكشفت عورته فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نظرت إلى نواجذه. (م 7/ 125
لقدْ سطَّرَ الصَّحابةُ الكِرامُ أفضَلَ المَواقِفِ، وأعظَمَ البُطولاتِ دِفاعًا عن الإسلامِ وعن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومِن ذلك مَوقِفُ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه في غَزوةِ أحُدٍ، وبَلاؤُه فيها بَلاءً حَسنًا حتَّى قَرَّت عَينُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَظيمِ صَنيعِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جمَعَ له أبوَيهِ يومَ أُحُدٍ، أي: يَفدِيه بِهما، وكانَ ذلكَ في غَزوةِ أُحدٍ الَّتي وَقَعَت في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجرةِ بيْنَ المسْلِمين وكُفَّارِ قُرَيشٍ، وانهَزَمَ فيها المُسلِمونَ بسبَبِ مُخالَفةِ الرُّماةِ لأوامِرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَراجَعَ المُسلِمونَ، وانكشَفَ مَوقِعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يَثبُتْ معَه وحَولَه إلَّا القَليلُ مِن المُهاجِرينَ والأنْصارِ، ومنهم سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ.
ثمَّ أخبَرَ سَعدٌ رَضيَ اللهُ عنه عن سَببِ جمْعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبَوَيْه له، فقال: «كانَ رجلٌ مِن المشركينَ قد أَحرقَ المسلمينَ»، أي: أثْخنَ فيهِم بالقِتالِ والجراحِ مِثلَ ما تَفعَلُ النَّارُ، وقيلَ: إنَّه أغاظَهُم، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِسَعدٍ مُحرِّضًا له: «ارْمِ، فداكَ أبي وأُمي»، يُحرِّضُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويُشجِّعُه على النَّيلِ مِن هذا الرَّجُلِ خاصَّةً، ومِن المشْرِكين عامَّةً، والمعنى: لَو كان لي إلى الفِداءِ سَبيلٌ، لَفَديْتُكَ بأبَوَيَّ، وهذه اللَّفْظةُ لا يُرادُ بها الفِداءُ على الحَقيقةِ؛ بلْ هي للتَّعْبيرِ عن حُبٍّ وبِرٍّ، وعَظيمِ مَنزِلةٍ لهذا المُفَدَّى، قال سَعدٌ رَضيَ اللهُ عنه: «فنزَعْتُ له بسَهمٍ ليْس فيهِ نَصْلٌ»، أي: رمَيْتُه بسَهمٍ ليستْ بهِ الحديدةُ الَّتي تكونُ على رَأسِه، «فأصبْتُ جَنْبَه، فسَقطَ فانكشفَتْ عورتُه، فضَحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى نظَرْتُ إلى نَواجِذه»، وهي أنيابُه، وقيلَ: أضراسُه.
وأمَّا ضَحِكُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فكان سُرورًا بقَتلِ الرَّجلِ لا لِمَا انكشفَ مِن عَورتِه.
وفي الحَديثِ: فضْلٌ ومَنقَبةٌ لسَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: دُعاءُ الرَّجلِ للرَّجلِ في مَواطِنِ الحَربِ إذا كان في ثَغرٍ مِن ثُغورِ القِتالِ بدُعاءٍ مَعْناه السَّلامةُ.
وفيه: إعْلامٌ بمَحَبَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لسَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه، وعَظيمِ مَنزِلتِه عندَه.