باب في فضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم

بطاقات دعوية

باب في فضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم

عن عائذ بن عمرو - رضي الله عنه - أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها (1) قال فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فأتاهم أبو بكر فقال يا إخوتاه أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أخي. (م 7/ 173)

تَفاضَلَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم فيما بيْنهم بالسَّبْقِ في الإسلامِ، والصَّبرِ على أذى المشْرِكين، وحُسنِ البلاءِ في الجهادِ لنَشرِ الدِّينِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي الصَّحابيُّ عائذُ بنُ عَمرٍو المُزَنيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أبا سُفْيانَ بنَ حَرْبٍ -كان مِن زُعَماءِ قُرَيشٍ- مَرَّ ذاتَ يومٍ على سَلْمانَ الفارسيِّ وصُهَيْبٍ الرُّوميِّ وبلالٍ الحَبَشيِّ رَضيَ اللهُ عنهم، وكانوا في «نَفَرٍ»، والنَّفرُ مِن ثلاثةٍ إلى عَشرةٍ مِنَ الرِّجالِ، ولم يكنْ أبو سُفْيانَ أسلَمَ بعْدُ، وكانَ في زَمَنِ الهدنةِ بعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذي وقَعَ في السَّنةِ السَّادسةِ مِن الهجرةِ، فقال سَلمانُ وأصحابُه: «ما أخذَتْ سيوفُ اللهِ مِن عُنقِ عدوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا»، أي: حقَّهَا، والمعنى: ما استَوْفَتْ سُيوفُ اللهِ حقَّها مِن عُنقِ هذا الكافرِ، وهو قَطعُها، ويُحمَلُ التَّمنِّي أنْ تَنالَ هذه السُّيوفُ مِن هذا العدوِّ في المستقبَلِ، فسَمِعَهم أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وقال لهم: أَتَقولونَ هذا لِشيخِ قَريشٍ؟! أي: لِكبيرِهم وسيِّدِهم ورَئيسهم، وهذا الاستفهامُ الإنكاريُّ بمعنى النَّهيِ، أي: لا تَقولوا ذلك له.
ثُمَّ ذَهَبَ أبو بكرٍ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَأخبرَه الخبرَ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يا أبا بكرٍ، لَعلَّكَ أَغضبْتَهم» بما قُلتَ وإنكارِكَ عليهم قَوْلَهم، وأقسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ: «لَئِنْ كنتَ أَغضبْتَهم» حيثُ إنَّهم مُؤمِنون مُحِبونَ مَحْبوبون للهِ تَعالَى، فلقدْ أغضَبْتَ ربَّكَ، حيثُ راعيْتَ جانِبَ الكافِرِ بِربِّه؛ لأنَّهم لم يَقولوا نُكرًا ولا هُجرًا، بلْ هي منْهم كَلمةُ حقٍّ وصِدقٍ، وفيها تَحمُّسٌ للإسلامِ وعِزُّ أهلِه، وكَبتُ أعدائهِ.
فذَهَبَ إليهم أبو بَكرٍ ليَتأكَّدَ منهم أنَّه لم يُغضِبْهم، وقال مُتسائلًا: «يا إِخوتَاهُ، أَغضَبْتُكم؟» فإنْ كان ذلك فَاعْفوا عنِّي، «فقالوا: لا» ما أغضَبْتَنا، ولا حَرَجَ عليكَ، أو لا غَضَبَ لنا بِالنِّسبةِ إليكَ، ويَغفِرُ اللهُ لكَ يا أَخِي، ضُبِطت بفَتحِ الهمزةِ وكسرِ الخاءِ، وبضَمِّ الهمزةِ وفَتحِ الخاءِ بالتَّصغيرِ؛ تَصغيرُ مُلاطَفةٍ لا تَصغيرُ تَحقيرٍ.
وفي الحديثِ: فضلُ سلمانَ وصُهيبٍ وبِلالٍ رَضيَ اللهُ عنهم.
وفيه: وَرعُ أبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وحِرصُه على إبراءِ ذِمَّتِه.
وفيه: احترامُ الصَّالحينَ واتِّقاءُ ما يُؤذيهم أو يُغْضِبُهم.
وفيه: مُراعاةُ قُلوبِ الضُّعفاءِ وأهلِ الدِّين وإكرامُهم ومُلاطفَتُهم.
وفيه: الصَّفحُ والتَّسامحُ، والرَّدُّ بالدُّعاءِ بالخيرِ.
وفيه: التَّلطُّفُ في النِّداءِ، واستخدامُ لَفظِ «يا أخي» و«يا إخْوتي» تَمهيدًا للطَّلبِ.