باب في فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه 3
بطاقات دعوية
عن أبي الأحوص قال كنا في دار أبي موسى مع نفر من أصحاب عبد الله وهم ينظرون في مصحف فقام عبد الله فقال أبو مسعود ما أعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم فقال أبو موسى أما لئن قلت ذاك لقد كان يشهد إذا غبنا ويؤذن له إذا حجبنا. (م 7/ 147 - 148)
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَعرِفون قَدْرَ بعضِهم بعضًا، فيَذكُرون في حقِّ بَعضِهم مِن الفَضائلِ والمناقبِ الَّتي تَفرَّدَ بها أحدُهم عن غيرِه أو باقي الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم جميعًا.
وفي هذا الأثرِ يَرْوي التَّابعيُّ أبو الأحْوَصِ عَوفُ بنُ مَالكٍ أَنَّهم كانوا في دارِ الصَّحابيِّ أَبي موسى الأشْعَرِيِّ رَضيَ اللهُ عنه مع «نَفَرٍ» وهو العددُ مِن ثلاثةٍ إلى عَشرةٍ مِنَ الرِّجالِ، مِن أصحابِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، وكانوا يَنْظُرونَ في مُصْحَفٍ يَقْرؤون منه القرآنَ، فقام عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ مُنصرِفًا مِن المجلِسِ ربَّما لحاجتهِ أو لشَيءٍ آخَرَ، فشَهِدَ أبو مَسعودٍ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه -وكان في هذا المجلِسِ- أنَّه لا يَعلَمُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَرَكَ بعْدَ وَفاتِه أحدًا مِن أصحابهِ رَضيَ اللهُ عنهم أَعلَمَ بِما أَنزلَ اللهُ في القرآنِ، وأيْن أُنزِلَت الآياتُ، وأسبابِ النُّزولِ ومَواقعِ الأحكامِ؛ مِن هذا الَّذي قامَ وَانصرَفَ مِن بيْننا، ويَقصِدُ به ابنَ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، فَقال أبو موسى الأَشْعَرِيُّ رَضيَ اللهُ عنه: «أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذاكَ» أي: إنْ قُلتَ ذلك القولَ لم تكُنْ مُبالِغًا، ولا مُجاوِزًا الحقيقةَ، والسَّببُ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه كانَ يَحضُرُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويَشهَدُ مَجالِسَه ويَسمَعُ كَلامَه إذا غابَ باقي أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للسَّعيِ في مَشاغلِهم وسَدِّ حاجاتِهِم، وهذا الاختصاصُ الَّذي ذُكِرَ لابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه إنَّما هو للمبالَغةِ، وإلَّا فقدْ كان هناك كثيرٌ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لازَموا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُدَّةً طَويلةً مِن حَياتِهم ويَومِهم، وكانَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأذنُ له بالدُّخولِ عليه في بَيتِه في الوقتِ الَّذي يُحجَبُ النَّاسُ مِن الدُّخولِ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذلك لانشغالهِ بأُمورِه الخاصَّةِ، ولكنَّه أَذِن لابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه وضَمَّه إليه، واختَصَّه بخِدمتِه ومُلازَمتِه، وجَعَله في عِدادِ أهلِ بَيتِه؛ لِما رَأى مِن صَلاحيَّتِه لقَبولِ العلمِ وتَحصيلِه له؛ فقدْ وَرَد عندَ أحمَدَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: «يَرحَمُكَ اللهُ؛ فإنَّك غُلَيمٌ مُعلَّمٌ».
وفي الحديثِ: فضلُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه.