باب في قصة ابن صياد 5

بطاقات دعوية

باب في قصة ابن صياد 5

عن ابن عون عن نافع قال كان نافع يقول ابن صياد قال قال ابن عمر لقيته مرتين قال فلقيته فقلت لبعضهم هل تحدثون أنه هو قال لا والله قال قلت كذبتني والله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالا وولدا فكذلك هو زعموا اليوم قال فتحدثنا ثم فارقته قال فلقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه قال فقلت متى فعلت عينك ما أرى قال لا أدري قال قلت لا تدري وهي في رأسك قال إن شاء الله خلقها في عصاك هذه قال فنخر كأشد نخير حمار سمعت قال فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت وأما أنا فوالله ما شعرت قال وجاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها فقالت ما تريد إليه ألم تعلم أنه قد قال إن أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه. (م 8/ 194)

كان في المدينةِ غُلامٌ يُقالُ له: ابنُ صيَّادٍ، واسمُه: صافي، وقيل: عبدُ اللهِ، مِن يَهودِ المدينةِ، وقيل: مِن الأنصارِ، وقدْ شاع بيْنَ النَّاسِ أنَّه هو الدَّجَّالُ -الَّذي يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ، وهو مِن عَلاماتِ السَّاعةِ الكُبرى- لِما به مِن صِفاتٍ تُشابِهُ الَّتي في الدَّجَّالِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ نافعٌ مَولى ابنِ عُمرَ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما قابَلَ ابنَ صَائِدٍ في بعضِ طُرُقِ المَدِينةِ، فقال له ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما كلامًا؛ كان سَببًا في غَضبِ ابنِ صائدٍ، وفي رِوايةٍ لمُسلمٍ أنَّه لَقِي ابنَ صائدٍ «وقَدْ نَفَرَتْ عَيْنُه» أي: أي: تَورَّمَتْ وبَرَزَتْ وذهَبَ بصَرُها وبقِيَت قائمةً لم يَتغيَّرْ شكْلُها ولا صِفَتُها، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّها أصبَحَت على الهيئةِ الَّتي يُوصَفُ بها الدَّجَّالُ بأنَّه أعوَرُ العينِ اليُمنى، وفي رِوايةٍ لِأحمدَ: «فسَبَّه ابنُ عُمرَ ووَقَعَ فيه»، وفي رِوايةٍ لمسْلمٍ: «فزَعَمَ بَعْضُ أصْحَابي أنِّي ضَرَبْتُه بعَصًا كانتْ مَعِي حتَّى تَكسَّرَت»، ولعلَّ ما وَقَعَ مِن ابنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما لاعتقادِه أنَّ ابنَ صائدٍ هو الدَّجَّالُ، «فانْتَفَخَ»، أي: تَضخَّمَ جَسدُ ابنِ صائدٍ وكَبِرَ مِنَ الغَضَبِ، «حتَّى مَلَأَ»، بجَسَدُه المُنْتَفِخُ «السِّكَّةَ»، أي: الطَّرِيقَ الَّذي يَمْشي فيه، قيل: هذا مَحمولٌ على حَقيقتِه وظاهرِه، ويكونُ هذا أمرًا خارقًا للعادةِ في حقِّ ابنِ صيَّادٍ، ويكونُ مِن عَلاماتِ أنَّه الدَّجَّالُ، ويَحتمِلُ أيضًا أنْ يكونَ ذلكَ مِن آثارِ سِحرِه، فدَخَل ابنُ عُمَرَ على أمِّ المؤمِنينَ حَفْصَةَ أُختِه رَضيَ اللهُ عنهما، وكان قدْ بَلَغها ما جَرى بيْنَ ابنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما وابنِ صيَّادٍ، أو أَبْلَغَها أخوها بِمَا حَدَث فقالت له حَفْصَةُ رَضيَ اللهُ عنها: «رَحِمَكَ اللهُ! ما أَرَدْتَ منه؟!» أي: أيَّ شيءٍ قَصَدْتَ بفِعلِك مع ابنِ صيَّادٍ؟! ثمَّ حدَّثَتْه بحَديثٍ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قال: «إنَّما يَخرُجُ» مِن سِجنِه في البحرِ إلى النَّاسِ بفِتنتِه في آخِرِ الزَّمانِ «مِن غَضْبةٍ يَغْضَبُها»؟! فيَتحلَّلُ بهذا الغضَبِ مِن سَلاسلِه، وكأنَّها خافَتْ أن يكونَ ابنُ صَيَّادٍ هو الدَّجَّالَ؛ فيكونَ تعرُّضُ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما له سببًا لخروجِه بفِتْنتِه
وقِصَّةُ ابنِ صَيَّادٍ مُشكِلةٌ وأمْرُه مُشتبِهٌ، والأقربُ أنَّه دجَّالٌ مِن الدَّجاجلةِ الكذَّابينَ، ولكنَّه غيرُ المسيحِ الدَّجَّالِ، وقدْ وافقَتْ صِفةُ ابنِ صَيادٍ بعضَ ما في الدَّجَّالِ، وكان فيه قِرائنُ مُحتمَلَةٌ، ولعلَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان مُتوقِّفًا في أمْرِه حتَّى جاءَه الأمرُ مِن اللهِ تَعالَى أنَّه غيرُ الدَّجَّالِ الأكبرِ، كما في قِصَّة الجسَّاسةِ الَّتي رَواها مُسلمٌ عن تَميمٍ الدَّاريِّ رَضيَ اللهُ عنه، وفيها أنَّهم رأَوا الدَّجَّال مُقيَّدًا وسَألهم عن نبيِّ الأُميِّين: هل بُعِث؟ وأنَّه قال: إنْ يُطيعوه فهو خيرٌ لهم، وغيرُ ذلك، وفيه: أنَّه قال: إنِّي مُخبِرُكُم عنِّي؛ أنا المسيحُ، وإنِّي أُوشِكَ أنْ يُؤذَنَ لي في الخُروجِ فأخْرُجَ... الحديثَ
وفي الحديثِ: بيانُ حالِ ابنِ صَيَّادٍ
وفيه: مَوْقِفُ الصَّحابةِ مِن ابنِ صَيَّادٍ
وفيه: قُربُ زَمنِ ظُهورِ الدَّجَّالِ