باب: في قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا}
بطاقات دعوية
عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة قال لا قال فتلوت عليه هذه الآية التي في الفرقان {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} إلى آخر الآية قال هذه آية مكية نسختها آية مدنية {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} (1). (م 8/ 242
حرَّمَ اللهُ سُبحانَه سفْكَ الدِّماءِ المعصومةِ بغيرِ حَقٍّ، وتَوعَّدَ مَن سَفَكَها عمْدًا بالعذابِ الأليمِ، واللهُ عزَّ وجلَّ حَكَمٌ عَدْلٌ لا تَضيعُ عِندَه الحقوقُ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ القاسِمُ بنُ أبي بزَّةَ أنَّه سألَ التابعيَّ سعيدَ بنَ جُبَيْرٍ: هلْ لِمَنْ قَتلَ مُؤمِنًا مُتعمِّدًا مِن تَوبةٍ؟ وقرَأَ عليه قولَه تعالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68- 70]، وقَولُه تعالى في هذه الآياتِ: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} يدُلُّ على أنَّ للقاتلِ تَوبةً
فقالَ له سَعيدٌ: «قرَأْتُها على ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما كما قرَأْتَها عَلَيَّ، فقال: هذه مكِّيَّةٌ نَسَختْهَا آيةٌ مَدنيَّةٌ الَّتي في سورةِ النِّساءِ»، يعني: أنَّ هذه الآيةَ الَّتي في الفُرقانِ مَنسوخةٌ بقولِه تعالى في النِّساءِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93]، أي: لا تَوْبةَ له؛ إذ ليْس فيها استثناءُ التَّائبِ. وقدْ حمَل العلماءُ قولَ ابنِ عبَّاس هذا على الزَّجرِ والتَّغليظِ؛ لأنَّ كلَّ ذنْبٍ مَمحوٌّ بالتَّوبةِ؛ وذلك لِما ذهب إليه أهلُ السُّنَّةِ إلى أنَّ توبةَ قاتِلِ المُسلِمِ عَمدًا مَقبولةٌ؛ لآيةِ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، وقَولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } [النساء: 48]. وقيل: إنَّ آيةَ سُورةِ النِّساءِ وعيدٌ لِمن قَتَل مُؤمِنًا مُستحِلًّا لقَتْلِه بسَبَبِ إيمانِه، ومن استحَلَّ قَتْلَ أهلِ الإيمانِ لإيمانهم كان كافِرًا مخلَّدًا في النَّارِ
)