باب في لعن البهائم والتغليظ فيه

بطاقات دعوية

باب في لعن البهائم والتغليظ فيه

عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وامرأة

من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة قال عمران فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. (م 8/ 23)

الدُّعاءُ بالشَّرِّ أو باللَّعنِ ليْس مِن صِفاتِ المسْلمِ؛ لأنَّ الإسلامَ يحُضُّ على التَّراحُمِ والمودَّةِ وحُسنِ التَّعامُلِ بيْنَ النَّاسِ، والرَّحمةِ والإحسانِ بالدَّوابِّ والحيواناتِ، والدُّعاءُ باللَّعنِ يَتعارَضُ مع هذه المعاني، ويُنافي أخلاقَ المؤمِنينَ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عِمرانُ بنُ الحُصَينِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسُولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان في بَعضِ أَسفارِه، وكانت امرأةٌ مِن الأَنصارِ -وهُم أهلُ المدينةِ- تَركَبُ ناقتَها «فَضَجِرَت» المرأةُ وسَئِمَت مِن النَّاقةِ، وكأنَّ النَّاقةَ كانت بَطيئَةَ المَشيِ، أو ضَجِرَت النَّاقةُ ونَفَرَت وعانَدَت، فلَعَنَتْها المرأةُ، أي: دَعَتْ عَليها بالإِبعادِ مِن رَحمةِ اللهِ، فسَمِعَ ذلكَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقال لمَن معه: «خُذوا ما عَليها» أي: ما على النَّاقةِ مِن مَتاعٍ وأحمالٍ، واتْرُكوها، وفي روايةٍ: «وأَعْرُوها»، أي: واجْعَلوها عاريةَ الظَّهرِ، ليسَ عليه شَيءٌ؛ «فإنَّها مَلعونَةٌ» أي: دَعَت عليها صاحبتُها باللَّعنِ، ومع أنَّ لَعْنَ الدَّابَّةِ لا يُبعِدُها عن رَحمةِ اللهِ؛ إذ لا ذَنْبَ لها فيما كان مِن مالكتِها، لكنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ بذلك زَجْرًا وتَأديبًا للمرأةِ؛ فقدْ نَهى قبْلَ ذلك عن لَعنِ الدَّوابِّ، فهي خِلقةُ اللهِ وصَنْعتُه، ولَعْنُ المصنوعِ إساءةٌ للصَّنعةِ وإساءةٌ للصَّانعِ، فعادت العقوبةُ في ذلك والذَّمُّ على المرأةِ الَّتي كانت منها اللَّعنةُ، وعادَ ذلك تَخفيفًا عن النَّاقةِ مِن الحمْلِ عليها، ورُكوبِها مِن مالكِها
ثمَّ قال عِمرانُ بنُ حُصَينٍ رَضيَ اللهُ عنه وهو يُحدِّثُ بهذا الحديثِ: «فكأنِّي أَراها الآنَ تَمْشي في النَّاسِ ما يَعرِضُ لها أحدٌ» أي: حدَّث عِمرانُ رَضيَ اللهُ عنه بهذا الحديثِ بعْدَ زَمنٍ مِن حُدوثهِ، وكان ساعةَ الحادثةِ قدْ رأى النَّاقةَ وقدْ جُرِّدت، ثمَّ أُطلِقَت في الصَّحراءِ تَنفيذًا لأمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَستحضِرُ تلك الصُّورةَ؛ تأكيدًا منه على قوَّةِ حِفظِه للحديثِ. وفي رِوايةٍ ذَكَر أنَّها ناقةٌ «وَرقاءُ» وهيَ الَّتي في لَونِها بَياضٌ إِلى سوادٍ، فيَكونُ لَونُها كَلَونِ الرَّمادِ تَقريبًا
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن اللَّعنِ
وفيه: العقوبةُ على اللَّعنِ، وكُرهُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له
وفيه: مُبالغةُ الصَّحابةِ في امتثالِ أمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فلم يَنْهَهُم عن بَيعِها أو الانتفاعِ بها بأيِّ صُورةٍ أُخرى، لكنَّهم تَرَكوها تمامًا زيادةً في تَعظيمِ أمرِه