باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه34-2
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا الحسن بن واقع الرملي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن عبد الله بن شوذب، عن عبد الله بن القاسم، عن كثير، مولى عبد الرحمن بن سمرة عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار - قال الحسن بن واقع: وكان في موضع آخر من كتابي، في كمه - حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره. قال عبد الرحمن: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم مرتين»: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه»
كان عُثمانُ بنُ عفَّانَ رضِيَ اللهُ عنه مِن أكثَرِ الصَّحابةِ غِنًى، وكان لا يَأْلو جُهدًا في تَسخيرِ مالِه في خِدمةِ دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ وخِدْمةِ المؤمِنين.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ الصَّحابيُّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ سَمُرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "جاء عُثمانُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بألفِ دينارٍ، قال الحسَنُ بنُ واقعٍ"، وهو مِن كِبارِ الآخِذين عن أتباعِ التَّابِعين: "وفي موضِعٍ آخَرَ مِن كِتابي"، أي: في رِوايةٍ أخرى للحديثِ دوَّنتُها في موضعٍ آخرَ مِن كتابي الَّذي أُدوِّنُ فيه الأحاديثَ، "في كُمِّه"، أي: جاء عثمانُ بنُ عفَّانَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بألفِ دِينارٍ قد وضَعها في كُمِّه، "حين جهَّز جيشَ العُسرةِ"، أي: حين جهَّز عثمانُ جيشَ العُسرةِ، وهي غزوةُ تَبوكٍ، وسُمِّي جيشُها جَيشَ العسرةِ لتَعسُّرِ حالِ الجيشِ مادِّيًّا، فلم يَكُنْ ثَمَّةَ مالٌ لِتَجهيزِ الجيشِ؛ فجهَّز عُثمانُ بنُ عفَّانَ الجيشَ كلَّه مِن مالِه الخاصِّ، " فنثَرها في حَجْرِه"، أي: وضَع عُثمانُ الألفَ دِينارٍ في حَجْرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ونشَرها وفرَّقها في حَجرِه الشَّريفِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "قال عبدُ الرَّحمنِ"، أي: عبدُ الرَّحمنِ بنِ سَمُرةَ: "فرأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُقلِّبُها في حَجرِه"، أي: فرأى عبدُ الرَّحمنِ بنُ سَمُرةَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُقلِّبُ الألْفَ دِينارٍ الَّتي وضَعها عُثمانُ في حَجْرِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "ويقولُ"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما ضرَّ عُثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ"، أي: لا يَضُرُّ عُثمانَ ما فعَل مِن الذُّنوبِ والمعاصي بعدَ اليومِ؛ فقد غفَر اللهُ له ما مَضى وما هو آتٍ بتَجهيزِه جيشَ العُسْرةِ كلَّه، "مرَّتَين"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم تِلك الجُمْلةَ مرَّتَينِ: ما ضرَّ عُثمانَ ما عَمِل بعدَ اليومِ، ما ضرَّ عُثمانَ ما عَمِل بعدَ اليومِ؛ وذلك تأكيدًا لِمَغفرةِ اللهِ لعُثمانَ، وقَبولِه رَضِي اللهُ عَنه.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على تَسخيرِ المالِ في مَرْضاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ونُصرةِ دِينِ اللهِ تعالى.
وفيه: فَضلُ عُثمانَ بنِ عفَّانَ، وأثَرُ نُصرَتِه لدِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: فَضلِ الغِنَى عِندَما يُسخَّرُ في طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.