باب فيما أنكرت الجهمية 4
سنن ابن ماجه
حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن محرز المازني، قال:
بينما نحن مع عبد الله بن عمر وهو يطوف بالبيت إذ عرض له رجل، فقال: يا ابن عمر، كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر في النجوى؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، ثم يقرره بذنوبه، هل تعرف؟ فيقول: يا رب، أعرف، حتى إذا بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ، قال:إني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، قال: ثم يعطى صحيفة حسناته وكتابه (1) بيمينه، قال: وأما الكافر، أو المنافق فينادى على رؤوس الأشهاد-قال خالد: في "الأشهاد" شيء من انقطاع- {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] " (2).
رَحمةُ اللهِ تعالَى وَسِعتْ كلَّ شَيءٍ، ورَحمتُه في الآخِرةِ أَضْعافُ ما جَعَلَه في الدُّنيا، وتَكونُ لِعبادِه المؤمِنين، ولها صُوَرٌ مُتعدِّدةٌ، ومنها سَتْرُه سُبحانَه لعِبادِه المؤمنينَ عندَ الحِسابِ.
وفي هذا الحديثِ يَذكُرُ التَّابعيُّ صَفوانُ بنُ مُحرِزٍ المازِنيُّ أنَّه كان يَسيرُ مع عبْدِ اللهِ بنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما آخِذًا بيَدَيْه، إذ ظَهَرَ له رجُلٌ، وسَأَلَه عن النَّجْوَى، والنَّجوى هي إسرارُ الواحدِ بالكلامِ مع آخَرَ على انفرادٍ، والمرادُ بها هنا: ما يقَعُ بيْن اللهِ تعالَى وبيْن عبْدِه المؤمنِ يومَ القيامةِ، وهو فضْلٌ مِن اللهِ تعالَى، حيث يَذكُرُ المَعاصيَ للعبْدِ سِرًّا. فذَكَرَ ابنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَ أنَّ اللهَ تعالَى يُدْني المؤمنَ، أي: يُقرِّبه إليه يومَ القيامةِ؛ ليُكلِّمَه ويَعرِضَ عليه ذُنوبَه فيما بيْنه وبيْنه، فيَضَعُ عليه كنَفَه، والكَنَفُ في اللُّغةِ: السَّتْرُ والحِرزُ والنَّاحيةُ، ويَستُرُه، أي: يَستُرُ عبْدَه عن رُؤيةِ الخَلْق له؛ لئلَّا يَفتضِحَ أمامَهم فيُخْزى، ويُكلِّمُه فيها سِرًّا فيَقولُ له: أتَعرِفُ ذنْبَ كذا؟ أتَعرِفُ ذنْبَ كذا؟ فيُذكِّرُه بما فعَلَه في الدُّنيا في لُطفٍ وخَفاءٍ، حتَّى إذا قَرَّره بذلك واعتَرَف بذُنوبِه، وتَيقَّن أنَّه داخلٌ النَّارَ لا مَحالةَ إلَّا أنْ يَتَدارَكَه عفْوُ اللهِ؛ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ له: سَتَرتُها عليك في الدُّنيا وأنا أغفِرُها لك اليومَ.
أمَّا الكافرُ والمنافقُ في عَقيدتِه، فيَقولُ الأشهادُ -وهم الحاضِرون مِن الملائكةِ والنَّبيِّين والجنِّ والإنسِ-: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [هود: 18]، أي: هؤلاء الَّذين كَفَروا ونَسَبوا إلى اللهِ ما لا يَليقُ به مِن الشَّريكِ والولدِ والزَّوجةِ، وغيرِ ذلك، {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، أي: ألَا سَخَطُ اللهِ الدَّائمُ وإبعادُه مِن رَحمتِه، على المُعتَدينَ الذين وَضَعوا العبادةَ في غيرِ مَوضِعِها.
وفي الحديثِ: إثباتُ صِفةِ الكلامِ للهِ عزَّ وجلَّ على ما يَليقُ بجَلالِه.