باب: فيمن خرج من الطاعة وفارق الجماعة 2
بطاقات دعوية
عن نافع قال جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. (م 6/ 22
أمَرَ اللهُ سُبحانه وتَعالَى عبادَه المؤمِنينَ بالاعتصامِ بحَبلِ اللهِ وعدَمِ التَّفرُّقِ، ومِن لَوازمِ هذا الاعتصامِ اجتماعُ المسلمينَ على كَلمةٍ واحدةٍ وإمامٍ واحدٍ؛ فإنَّهم إذا تعدَّدَتْ كَلِمتُهم وتفرَّقَ أمراؤُهم، ضَعُفَ شأنُهم وذهَبَتْ ريِحُهم، وظَهَرَ عليهم عَدوُّهم.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي نافعٌ مَولى عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ أنَّ عبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما جاء إلى عبدِ الله بنِ مُطِيعٍ «حينَ كان مِن أمرِ الحَرَّةِ ما كان» والحَرَّةُ: مَوضعٌ بالمدينةِ، يُشيرُ بها إلى ما وقَعَ فيها مِن أحداثٍ واقتتالٍ بيْنَ المسْلِمين، وكان ذلك زمَنَ الخليفةِ يَزِيدَ بنِ مُعاوِيةَ، فبعْدَ أنْ تَمَّت له البيعةُ، فإنَّ أهْلَ المدينةِ خَلَعوه، ووَلَّوا على قُرَيشٍ عبْدَ اللهِ بنَ مُطِيعٍ، وعلى الأنصارِ عبْدَ اللهِ بنَ حَنْظلةَ بنِ أبي عامرٍ، فبَعَثَ إليهم يَزِيدُ بجَيشٍ، وجَعَل عليه مُسْلمَ بنَ عُقْبةَ، ولَمَّا كانت قُوَّةُ جيشِ أهلِ الشامِ فَوْقَ طاقةِ أهلِ المدينةِ، فإنَّهم قد هُزِموا بعدَ قتالٍ شديدٍ؛ وكان عبدُ اللهِ بنُ مُطِيعٍ على رأسِ مَن خَلَع يَزِيدَ وخرَج عليه من أهلِ المدينةِ، وكان قائِدَ قُرَيْشٍ يومَ الحَرَّةِ.
فلمَّا جاء عبْدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما إلى مَجلِسِ ابنِ مُطِيعٍ، أمَرَ ابنُ مُطِيعٍ مَن عِنده أنْ يَفرِشوا لابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما وِسادةً لِيَجلِسَ عليها؛ إكرامًا له واعترافًا بفَضلِه؛ فهو صاحبُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانت كُنْيةُ ابنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أبا عبْدَ الرَّحمن، فقال له ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: «إنِّي لم آتِكَ لِأَجْلِسَ أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَك حديثًا» يُبيِّنُ له أنَّه جاءهُ لِيَعِظَه ويَنصَحَه ويُراجِعَه في أمرِ خَلعِه لِيَزيدَ واقتتالِه مع جَيشِ يَزيدَ، فحَدَّثه ابنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه سَمِع رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «مَن خَلَع يدًا مِن طاعةٍ»، أي: نقَضَ بَيْعتَه الَّتي بايَعَها لِوَليِّ الأمرِ وخَليفةِ المسْلِمين وخَرَج عليه، كان جَزاؤهُ يوْمَ القيامةِ أنَّه يَلْقى اللهَ عندَ الحسابِ «ولا حُجَّةَ له»، أي: لا عُذْرَ له فيما ارتَكَبَ مِن الإثمِ والذَّنْبِ، وكان سَببًا في ضَعفِ المسْلِمين وتَفرُّقِهم، «ومَن مات وليس في عُنُقِه بَيْعَةٌ» للإمامِ بالسَّمْعِ والدُّخولِ في طاعتِه؛ «مات مِيتَةً جاهليَّةً» أي مات على الضَّلالَةِ كما يموتُ أهلُ الجاهليَّةِ عليها مِن جِهَةِ أنَّهم كانوا لا يَدخُلون تحتَ طاعةِ أميرٍ ويَرَوْنَ ذلك عَيْبًا، بل كان ضَعِيفُهم نَهْبًا لِقَوِيِّهم، والبيعةُ هي المُعاقَدةُ والمُعاهَدةُ على الالتِزامِ بما يُوجِبُه اللهُ ورَسولُه، وسُمِّيتْ بذلك تَشبيهًا بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَبيعُ ما عِندَه مِن صاحبِه.
وفي الحديثِ: الأمرُ بطاعةِ الأُمراءِ ووُلاةِ الأمورِ على كلِّ حالٍ فيما يُرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ.
وفيه: أهميَّةُ البَيْعةِ والحثُّ عليها.
وفيه: النَّهيُ عن الخروجِ على الأُمراءِ ووُلاةِ الأمورِ.
وفيه: حِرْصُ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما على اتِّباعِ مَنْهَجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.