باب قدر الماء الذي يغتسل به من الجنابة
بطاقات دعوية
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (1) قال دخلت على عائشة - رضي الله عنها - أنا وأخوها من الرضاعة فسألها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة فدعت بإناء قدر الصاع فاغتسلت وبيننا وبينها ستر وأفرغت على رأسها ثلاثا قال وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوفرة (2). (م 1/ 176)
في هذا الحديثِ تُبيِّنُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها صِفةَ غُسلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمرادُ بغُسلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو الذي يَرتفِعُ به حُكمُ الجَنابةِ؛ مِن نُزولِ مَنِيٍّ أو جِماعٍ؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَغتسِلُ بقدْرٍ مِن الماءِ الذي يَملَأُ الصَّاعَ، والصَّاعُ كَيلٌ يَسَعُ أربعةَ أمْدادٍ، أو ثَمانيةَ أرْطالٍ، واختُلِفَ في مِقدارِ الرِّطْلِ بالمقاديرِ الحديثةِ؛ فقِيل: إنَّه حَوالَي 380 جِرامًا، أي: أقلَّ مِن نِصفِ لِترٍ، وقيل: إنَّه يَزِنُ 538 جِرامًا، أي: أكثرَ مِن نِصفِ لِترٍ قليلًا.ثمَّ ذكَرَ أبو سَلَمةَ بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ أنَّ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها بيَّنَت له ولأخيها عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ، وقيل: هو عبدُ اللهِ بنُ يَزيدَ أخوها مِن الرَّضاعِ، بَيانًا عَمليًّا في كَيفيَّةِ غُسلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا القدْرِ مِن الماءِ، فطَلَبَت إناءً على قدْرِ الصَّاعِ به ماءٌ، فاغتَسَلَت هي به.وكان بيْنها وبيْنهما حِجابٌ؛ لذلك لم يَرَيَا إلَّا إفاضةَ الماءِ على رَأسِها، وقد كان أبو سَلَمةَ ابنَ أختِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها مِن الرَّضاعةِ، أرضَعَتْه أمُّ كلثومٍ ابنةُ أبي بكرٍ، فكان الحاضرانِ اثنينِ مِن مَحارمِها؛ ولذلك لم يُشاهدَا مِن غُسلِها إلَّا إفاضةَ الماء على رَأسِها، وهو ما يَحِلُّ لِذَوي المحارمِ النَّظرُ إليه مِن ذاتِ المَحرَمِ، ولولا أنَّهما شاهَدا ذلك ورَأيَاه، لم يكُنْ لاستدعائِها الماءَ وطَهارتِها بحَضْرتِهما معنًى؛ إذ لو فعَلَتْ ذلك كلَّه في سُترةٍ عنهما، لَاكتَفَتْ بتَعليمِهما بالقولِ، وإنَّما فعَلَتِ السِّترَ لِيَستُرَ أسافلَ البدَنِ، وما لا يَحِلُّ للمَحرَمِ النَّظَرُ إليه.