باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال
بطاقات دعوية
حتى تعطيها مائة دينار فسعيت فيها حتى جمعتها فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت، وتركتها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا فرجة قال: ففرج عنهم الثلثين وقال الآخر: اللهم إن كنت
تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق من ذرة، فأعطيته وأبى ذاك أن يأخذ فعمدت إلى ذلك الفرق، فزرعته حتى اشتريت منه بقرا وراعيها ثم جاء، فقال: يا عبد الله أعطني حقي فقلت انطلق إلى تلك البقر وراعيها، فإنها لك فقال: أتستهزى بي قال: فقلت: ما أستهزى بك، ولكنها لك اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فكشف عنهم
الدعاء والتقرب إلى الله تعالى بصالح الأعمال والإخلاص سبب لتفريج كل كرب
وفي هذا الحديث يحكي النبي صلى الله عليه وسلم أنه انطلق ثلاثة رهط من الأمم السابقة -والرهط: ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة، وإنما جاز تمييز الثلاثة بالرهط؛ لأنه في معنى الجماعة- حتى لجؤوا إلى غار ليبيتوا فيه، وفي الصحيحين: أنهم دخلوه بسبب نزول الأمطار، والغار: الكهف في الجبل، فنزلت من أعلى الجبل صخرة فأغلقت مخرج الغار الذي يخرجون منه، فحبس الثلاثة داخل هذا الكهف، فقال بعضهم لبعض: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تتوسلوا إلى الله وتدعوه بما كان من عملكم الصالح؛ حتى يستجيب لكم، فيبعد تلك الصخرة عن باب الكهف
فقال رجل منهم: «اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما»، أي: لا أقدم عليهما أحدا في شرب لبن العشي؛ لا أهلا ولا مالا، وهذا كناية عن شدة بره بهما؛ بأن يجعلهما أول الشاربين من لبن العشاء وأول الطاعمين، ثم أخبر أنه ذات يوم طال به الوقت خارج البيت؛ لبلوغ بعض الحاجة، فلم يرجع إلى البيت حتى نام الأبوان، فحلب لهما اللبن الذي يشربانه قبل نومهما، ولكنه لما ذهب إليهما ليسقيهما وجدهما قد ناما، وكره أن يخلف عادته، فامتنع عن أن يشرب هو من هذا اللبن أو أن يسقي أحدا قبلهما، قال الرجل: «فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر»، أي: ظهر ضياؤه، والقدح: الوعاء الذي يشرب فيه، فتركهما نائمين مفضلا السهر في انتظارهما على أن يوقظهما من نومهما حتى يكونا هما المستيقظين من تلقاء أنفسهما، قال الرجل: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك»، وطلبا لمرضاتك، «ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة»، واجعل لنا منها مخرجا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن باب الغار فتح قدرا يسيرا، ولكن لا يستطيعون الخروج
ثم قال الرجل الثاني: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي، وأردت أن أزني بها، فامتنعت مني، حتى نزلت بها مضرة جعلتها في حاجة وفقر، فجاءت تطلب مني المساعدة، فأعطيتها عشرين ومئة دينار، وشرطت عليها أن تمكنني من نفسها مقابل المال، فوافقت، حتى إذا تمكنت منها، واقتربت من جماعها، قالت لي: «يا عبد الله، اتق الله» -كما في الصحيحين- «لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه»، فذكرته بالله عز وجل وتقواه، وسألته أن ينتهي عنها ولا يواقعها، وألا يزيل بكارتها إلا بالزواج الذي أحله الله، فتجنبها ولم يزن بها؛ لما ذكرته به من حق الله فيها، قال الرجل: «وهي أحب الناس إلي»، وفي هذا إشارة إلى أن حبه لها كان أدعى إلى الوقوع عليها، ومع ذلك انصرف عنها، وترك لها المال الذي قد أخذته منه، ثم قال: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه»، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن باب الغار فتح قدرا يسيرا، ولكن لا يستطيعون الخروج
ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت عمالا يعملون عندي مقابل أجر، فأعطيتهم أجرهم إلا عاملا واحدا ذهب ولم يأخذ أجرته، «فثمرت أجره» وتاجرت له به، «حتى كثرت منه الأموال»، فزاد نماء هذه الأجرة، ثم جاءني الأجير الذي ترك أجرته بعد مدة من الزمن، فطلب مني أجرته التي تركها، فقلت له: كل أنواع المال التي أمام نظرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، هو أجرك الذي تركت، والرقيق: هم العبيد المملوكون، فقال الأجير: «يا عبد الله، لا تستهزئ بي!» يستنكر عليه ما يدعيه من أن أجرته قد بلغت كل ذلك، فقال له: «إني لا أستهزئ بك»، فأخذ الأجير كل ذلك المال الذي أشار به إليه، وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل لم يطمع في شيء من ذلك، ولو بقدر ما يترك له الأجير من مكافأة له نظير فعله، قال الرجل: «اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه»، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصخرة انفرجت كلها، فتم لهم بتلك الدعوة فتح باب الغار، فخرجوا يمشون
وفي الحديث: التوسل إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة
وفيه: بيان فضل الإخلاص
وفيه: بيان فضل بر الوالدين، وفضل تقديمهما على سائر الأهل والأقارب
وفيه: فضل التعفف عن الحرام ومراقبة الله تعالى والخوف منه
وفيه: الحث على بذل الخير للآخرين دون تلمس أجر منهم على ذلك، والحذر من الطمع