باب قصة فاطمة بنت قيس، وقوله عز وجل: واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن

بطاقات دعوية

باب قصة فاطمة بنت قيس، وقوله عز وجل: واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن

عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم، فانتقلها عبد الرحمن (34)، فأرسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان وهو أمير المدينة: اتق الله وارددها إلى بيتها.
قال: مروان -فى حديث سليمان-: إن عبد الرحمن بن الحكم غلبنى، وقال القاسم بن محمد: أوما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟ قالت: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة، (وفي رواية قالت: ما لفاطمة؟ ألا تتقي الله؟ يعني: في قولها: لا سكنى ولا نفقة) (35). فقال مروان بن الحكم: إن كان بك شر (36)؛ فحسبك ما بين هذين من الشر. وفي أخرى عن القاسم قال: قال عروة بن الزبير لعائشة: ألم ترين إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها ألبتة فخرجت؟ فقالت: بئس ما صنعت. قال: ألم تسمعى قول (37) فاطمة؟ قالت: أما إنه ليس لها خير فى ذكر هذا الحديث. (وفي أخرى: أن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة).
 وفي أخرى معلقة عنه: عابت عائشة أشد العيب وقالت: إن فاطمة كانت فى مكان وحش، فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها النبي - صلى الله عليه وسلم -. 

حدَّد الشَّرعُ الكريمُ أحكامَ الأُسرةِ في الزَّواجِ والطَّلاقِ والعِدَّةِ، وما يترتَّبُ على ذلك كُلِّه من الحقوقِ والواجباتِ على كُلِّ الأطرافِ، واستقَرَّ الأمرُ بما وضَّحه القرآنُ وبيَّنَتْه السُّنَّةُ النبويَّةُ، ولا ينبغي لأحدٍ أن يغيِّرَ فيها باجتهادِه مع وجودِ النُّصوصِ القاطِعةِ الواضِحةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابعيَّانِ القاسِمُ بنُ محمَّدٍ وسيلمانُ بنُ يسارٍ أنَّ يَحْيَى بنَ سَعِيدِ بنِ العَاصِ طَلَّق زوجَتَه عَمْرَةَ بِنْتَ عبدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ طَلاقًا بائِنًا، كما في روايةِ الصَّحيحَينِ، أي: طَلَّقَ زَوْجتَه ثَلاثَ تطليقاتٍ، فحَرُمتْ عليه، «فانْتَقَلَها» أي: أَخْرَجَها والدُها عَبدُ الرَّحمن مِن مَنزِلِ زَوْجِها.
فأرسَلَتْ أُمُّ المؤمنين عَائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها إلى عَمِّ المُطلَّقةِ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ وهو أمِيرُ المَدِينَةِ من قِبَلِ مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه، تُذَكِّرُه باللهِ أن يَتَّبِعَ أمْرَه سبحانَه في المعتَدَّةِ، وأنْ يَرُدَّها لمَنزِلِ زَوْجِها إلى أنْ تَنقَضِيَ العدَّةُ، فردَّ مَرْوَانُ بأنَّ أباها عَبدَ الرَّحمنِ غَلَبَه في أمْرِ بَقائِها في مَنْزِلِ زَوجِها، ثمَّ احْتَجَّ بحَديثِ فَاطِمَةَ بنتِ قَيْسٍ رضِيَ اللهُ عنها، وأنَّها لم تَعتَدَّ في بَيتِ زَوْجِها بعْدَ طَلاقِها البائِنِ، فقالتْ عائِشَةُ رضي الله عنها: «لا يَضرُّكَ ألَّا تَذْكُرَ حَديثَ فاطِمَةَ»، أي: لا حُجَّةَ فيه لجَوازِ انتقالِ المُطلَّقةِ مِن مَنزِلِها بغيرِ سَببٍ؛ لأنَّ انتقالَها كان لسَببٍ خاصٍّ؛ إمَّا وَحْشَةُ المكانِ، أو ما يَقَعُ بيْنها وأهلِ زَوجِها مِن الشَّرِّ، فبيَّن مَرْوَانُ أنَّه إنْ كان جازَ لفاطِمَةَ خُروجُها مِن بيْتِ زَوجِها للشَّرِّ الَّذي يقَعُ بيْنهم، فإنَّه يَسَعُ بِنتَ أخيهِ الخُروجُ لوُقوعِ الشَّرِّ أيضًا بينها وبين زَوجِها لو سكَنَت دارَه.