باب: قضاء الدين قبل الميراث 3
سنن النسائي
أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد حرمي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن جابر بن عبد الله، قال: كان ليهودي على أبي تمر، فقتل يوم أحد وترك حديقتين، وتمر اليهودي يستوعب ما في الحديقتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك أن تأخذ العام نصفه وتؤخر نصفه؟» فأبى اليهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك أن تأخذ الجداد؟» فآذني فآذنته، فجاء هو وأبو بكر فجعل يجد ويكال من أسفل النخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بالبركة حتى وفيناه جميع حقه من أصغر الحديقتين - فيما يحسب عمار - ثم أتيتهم برطب وماء فأكلوا وشربوا، ثم قال: «هذا من النعيم الذي تسألون عنه»
الدَّينُ أمْرُه عَظيمٌ وشَأنُه خَطيرٌ على الإنسانِ؛ فإنَّه لا بُدَّ مِن سَدادِه، وإذا مات الإنسانُ فعلى وَلِيِّه ووارثِه أنْ يَقضِيَ عنه دُيونَه مِن تَرِكَتِه
وفي هذا الحديثِ يَحكي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ أباهُ عبدَ اللهِ بنَ حَرامٍ استُشهِدَ في غَزوة أُحُدٍ التي وَقَعَت في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهجرةِ، وتَرَك سِتَّ بَناتٍ صغارٍ، وكان عليه دَينٌ، فتَكفَّلَ ابنُه جابرٌ بقَضاءِ دُيونِه عندَ حَصادِ النَّخلِ الذي هو غالبُ ثِمارِ المدينةِ، فلمَّا حضَرَ «جِدَادُ النَّخلِ»، وهو أوانُ قطْعِ ثَمرتِها مِن التَّمرِ، أتَى جابرٌ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذكَرَ له الحالَ التي هو عليها، وسَأَلَه أنْ يَحضُرَ عندَه في الوقتِ الذي يُوفِّي فيه للغُرماءِ دَينَهم -وكَانوا مِن اليهودِ-؛ رَجاءَ أنْ يُخفِّفوا عن جابرٍ الدَّينَ، وفي رِوايةٍ في البُخاريِّ طَلَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الغُرماءِ أنْ يَضَعوا شَيئًا مِن الدَّين فَرَفَضوا، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اذهَبْ فَبَيْدِرْ كلَّ تَمرٍ على ناحيتِه»، أي: فاجعَلْ كلَّ صِنْفٍ في كُومةٍ واحدةٍ، ففَعَل جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه ذلك، ثمَّ دَعا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فحضَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا نَظَر الغُرماءُ إليه «أُغْرُوا بي»، أي: لَهِجُوا بي ولَجُّوا في مُطالَبتي، وأَلَحُّوا علِيَّ أنْ أُسدِّدَ لهم دَينَهم في هذا الوقتِ، فلمَّا رَأى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَصنَعونَ بجابرٍ رَضيَ اللهُ عنه، أَطافَ ودار حَولَ أَعظَمَ كُومةٍ ثَلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ جَلَس عليها ليَزيدَها بَرَكةً، ثمَّ أمَرَ جابرًا أنْ يَستدعِيَ غُرماءَ أبيه الذين لهمْ عليه دُيونٌ، فدَعاهُم جابرٌ، فما زال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَكِيلُ لهم مِن الكُومةِ نفْسِها التي يَجلِسُ عليه ولا يَكيلُ مِن غَيرِها، حتَّى أدَّى اللهُ دَينَ والدِ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنهما، حتَّى أنَّ جابرًا رَضيَ اللهُ عنه كان يَتمنَّى ويَرْضى لو أنَّ التَّمْرَ كلَّه يُوفِّي حقَّ الغُرماءِ وأصحابِ الدُّيونِ، حتَّى ولو لمْ يَرجِعْ إلى أخواتِه السِّتِّ بتَمرةٍ، إلَّا أنَّ بَرَكةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أفاضَتِ التَّمرَ وكثَّرَتْه، حتَّى إنَّ التَّمْرَ بعْدَ وَفاءِ الغُرماءِ كأنَّه لم يَنقُصْ تَمرةً واحدةً
وفي الحديثِ: عَلامةٌ مِن عَلامات نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: الحثُّ على سَداد الدَّينِ عن الميِّت
وفيه: أنَّ دَينَ الوالدينِ المُتوفَّيينِ في رَقَبةِ أبنائِهم يُؤدُّنه عنهم