باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود

بطاقات دعوية

باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود

حديث عائشة، أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقال: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ومن يجترى عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا، إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد؛ وايم الله لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت، لقطعت يد

الإسلام دين العدل والقسط، وعدم المحاباة لأحد على حساب أحد، وقد حد الشرع الحكيم حدودا، ثم أمر الجميع أن يلتزموا بها
وفي هذا الحديث يحكي التابعي عروة بن الزبير أن امرأة -واسمها فاطمة المخزومية- سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح في العام الثامن من الهجرة، ففزع قومها -أي: التجؤوا وذهبوا- إلى أسامة بن زيد رضي الله عنهما مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطلبون منه أن يشفع عند النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقطع يدها؛ إما عفوا، وإما فداء؛ وذلك لمكانة أسامة بن زيد رضي الله عنهما عنده صلى الله عليه وسلم
فلما كلم أسامة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المرأة، تلون وجه النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: ظهر على وجهه علامات الغضب، وقال له مستنكرا: أتكلمني وتشفع في حد من حدود الله؟! فأجابه أسامة رضي الله عنه: استغفر لي -يا رسول الله- ذنب تشفعي فيما لا علم لي به، فلما كان العشي -وهو آخر النهار، أو من الظهر إلى الصباح، وقيل: إلى أن تغيب الشمس- قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد؛ فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، ولم يقيموا عليه الحد؛ لوجاهته وشرفه، وإذا سرق فيهم الضعيف -أي: الوضيع الذي لا شرف له، ولا أتباع، ولا منعة- أقاموا عليه الحد، أي: قطعوه؛ لخموله وسقوط وجاهته، ثم أقسم النبي صلى الله عليه وسلم بالله الذي بيده النفوس يملكها، ومنها نفس النبي صلى الله عليه وسلم، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها. وإنما خص صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته بالذكر؛ لأنها أعز أهله عنده، ولأنه لم يبق من بناته حينئذ غيرها، فأراد المبالغة في إثبات إقامة الحد على كل مكلف، وترك المحاباة في ذلك، ولأن اسم السارقة وافق اسمها رضي الله عنها، فناسب أن يضرب المثل بها. وفيه مبالغة في النهي عن المحاباة في حدود الله تعالى، وإن فرضت في أبعد الناس من الوقوع فيها
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها، ثم صدقت في توبتها بعد ذلك وتزوجت، قيل: تزوجت رجلا من بني سليم
وتخبر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن هذه المرأة كانت تأتيها بعد ذلك، فترفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقضيها لها صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت السلطان
وفيه: ترك الرحمة فيمن وجب عليه الحد
وفيه: أن شرف الجاني لا يسقط الحد عنه
وفيه: أن أحكام الله عز وجل يستوي فيها الشريف والوضيع