باب قول الله تعالى {وكلم الله موسى تكليما}
بطاقات دعوية
وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به، فقال:
"موسى آدم طوال، كأنه من رجال شنوءة"، وقال:
"عيسى جعد مربوع"، وذكر مالكا خازن النار، وذكر الدجال
قال اللهُ تعالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253]؛ فليس لِبشَرٍ أنْ يُفاضِلَ بيْن أنبياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلَّا بما فضَّلَ اللهُ به بَعْضَهم على بعْضٍ.
وفي هذا الحَديثِ ينَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُسلِمينَ أنْ يَمتَدِحَه أحَدُهم، أو أنْ يُفضِّلَه على نَبيِّ اللهِ يُونسَ بنِ مَتَّى علَيه السَّلامُ، وإنَّما خَصَّ يونُسَ؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يَذْكُرْه في جُملةِ أُولي العَزْمِ مِن الرُّسُلِ، والحديثُ يدُلُّ على مَعنى التَّواضُعِ؛ لأنَّ يونُسَ دونَ غَيرِه مِن الأنبياءِ مِثلَ إبراهيمَ ومُوسى وعِيسى، يُريدُ إذا كُنتُ لا أُحِبُّ أنْ أُفَضَّلَ على يُونسَ، فكيف غَيرُه ممَّن هو فَوقَه مِن أُولي العَزْمِ مِن الرُّسُلِ؟!
وغايةُ ما في الأمرِ أنَّ اللهَ لَمَّا ذَكَرَ أُولي العَزْمِ مِن الرُّسُلِ، أَثْنى على صَبْرِهم، وذَكَرَ النَّبيَّ يُونسَ بنَ مَتَّى عليه السَّلامُ، وأنَّه ضاقَ بقَومِه لعَدمِ استِجابتِهم لدَعوتِه؛ فقالَ سُبحانَه: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء: 87]، وقالَ لنَبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48]، فخَصَّه بالذِّكرِ؛ لِما يُخْشى على مَن سَمِع قِصَّتَه أنْ يَقَعَ في نفْسِه تَنقيصٌ له، فبالَغَ في ذِكرِ فضْلِه لسَدِّ هذه الذِّريعةِ، وهذا النَّهيُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحمَلُ على عَدمِ تَفْضيلِه على أيِّ نبيٍّ آخَرَ للمُباهاةِ والفَخرِ، وإلَّا فإنَّه في الحَقيقةِ أفضَلُهم على الإطْلاقِ؛ فقد قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أنا سيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ولا فَخْرَ»، وهذا مِن بابِ ذِكْرِ كَرامةِ النَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على ربِّه بلا فَخْرٍ منه ولا تَكبُّرٍ، بل هو في أعْلى دَرَجاتِ التَّواضُعِ.
ثُمَّ ذَكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعضَ ما شاهَدَهُ في اللَّيلةِ التي أُسْرِيَ به مِن المسجِدِ الحرامِ بمكَّةَ إلى المسجِدِ الأقْصى في فِلَسطينَ، ثمَّ عُرِجَ به إلى السَّماءِ، فذَكَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه رَأى نَبيَّ اللهِ مُوسى عليه السَّلامُ، وذَكَرَ مِن صِفتِه الخِلقِيَّةِ أنَّه رجُلٌ «آدَمُ»، أي: أَسْمَرُ، طُوالٌ كأنَّه مِن رِجالِ شَنوءةَ في الطُّولِ، وشَنوءةُ: قَبيلةٌ مِن قَبائلِ العرَبِ باليمَنِ.
ورَأى نَبيَّ اللهِ عِيسى عليه السَّلامُ، وذكَرَ مِن صِفتِه الخِلقِيَّةِ أنَّ شَعرَهُ «جَعْدٌ»، أي: مُلتَفٌّ حَولَ بَعضِه، «مَربوعٌ» يعني: مُعتدِلُ الطُّولِ؛ لا طَويلٌ ولا قَصيرٌ.
وذَكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَديثِه هذا مالِكًا خازِنَ النَّارِ، وهو مَلَكٌ مِن مَلائكةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أوْكَلَه اللهُ بالنَّارِ.
وذَكَرَ أيضًا المسيحَ الدَّجَّالَ، مِن الدَّجَلِ، وهو التَّغطيةُ، سُمِّي به؛ لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه، وهو شَخصٌ مِن بَني آدمَ، وظُهورُه مِن العَلاماتِ الكُبرى ليومِ القِيامةِ، يَبْتلي اللهُ به عِبادَه، وأَقْدَره على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ تعالَى؛ مِن إحياءِ المَيِّتِ الَّذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له، وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ، فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ اللهِ تعالَى ومَشيئتِه، ويَقتُلُه نَبيُّ اللهِ عِيسى ابنُ مَريمَ عليه السَّلامُ.
وفي الحديثِ: بيانُ تَواضُعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: فَضلُ نبيِّ اللهِ يُونُسَ بنِ مَتَّى عليه السَّلامُ.