باب قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
["كيف تفعلون بمن زنى منكم؟. قالوا: نحممهما (48)، ونضربهما (وفي رواية: نسخم وجوههما، ونخزيهما 8/ 213)، فقال: 5/ 170]:
"ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ ". فقالوا: نفضحهم، ويجلدون. (وفي طريق: قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه، والتجبية (49) 8/ 22. وفي رواية: لا نجد فيها شيئا).
فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، [فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين]، فأتوا بالتوراة، فنشروها، فوضع أحدهم يده (وفي رواية: فوضع مدراسها الذي يدرسها (وفي أخرى: فقالوا لرجل (50) يرضون: يا أعور! اقرأ. فقرأ حتى انتهى إلى موضعها، فوضع (كفه) على آية الرجم، [فطفق]، يقرأ ما قبلها وما بعدها، [ولا يقرأ آية الرجم]، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم [تلوح]، ف [قال: ما هذه؟! فلما رأوا ذلك]؛ قالوا: صدق يا محمد! فيها آية الرجم، [ولكنا نكاتمه بيننا]، فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرجما [قريبا من حيث توضع الجنائز عند المسجد 2/ 90].
قال عبد الله [بن عمر]: فرأيت الرجل يجنأ (51) (وفي رواية: يحني 8/ 30) على المرأة؛ يقيها الحجارة.
حرَّفَ أهلُ الكتابِ مِنَ اليهودِ والنَّصارى كُتبَهمُ المُنْزَلةَ عليهم، فحَذَفوا وغيَّروا وأدْخَلوا فيها ما ليس منْها، وما بَقِيَ منه لم يَعمَلُوا به، وأخفَوْه وكتَمُوه وهمْ يَعلَمونَ.
وفي هذا الحديثِ صُورةٌ مِن صُوَرِ جُحودِ اليهودِ وكِتمانِهم ما أنْزَلَ اللهُ تعالى عليهم مِنَ التَّوراةِ؛ فيُخبرُ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ جماعةً من اليهودِ -وكانوا من يهودِ خَيبرَ- جاؤوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِرجُلٍ وامرأةٍ منْهم قدْ زَنَيَا، فسألهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كيف تَفعَلونَ بِمَنْ زَنى منكم؟ فقالوا: نُحَمِّمُهما ونَضْرِبُهما، أي: نُسوِّدُ وُجوهَهما بالحُممِ -وهو الفَحْمُ- ونَضرِبُهما.
فسألهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الرَّجمِ -ويكونُ للزَّاني المحصَنِ، وهو الذي سبق له الزَّواجُ- أليس مَكتوبًا عندكم في التَّوراةِ أنَّ مَن زَنى بعد إحصانٍ يُرجَمُ؟ فقالوا: لا نَجدُ فيها شَيئًا. وإنما سألهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُلزِمَهم بما يعتَقِدونَه في كتابِهم الموافِقِ لحُكمِ الإسلامِ إقامةً للحُجَّةِ عليهم، لا لتقليدِهم ومَعرفةِ الحُكمِ منهم.
وكان عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ رضِي اللهُ عنه مِن عُلمائِهم قبْلَ إسلامِه، فرَدَّ عليهم، وقال لهمْ: كذبْتُم، فَأْتوا بِالتَّوراةِ فَاتْلُوها إنْ كُنتُم صادقِينَ؛ فإنَّ ذلك موجودٌ فيها لم يُغَيَّرْ.
فأَتَوا بالتوراةِ ونشَروها، فوضَعَ الَّذي يَدْرُسُ التَّوراةَ عندَهم -وهو عبدُ اللهِ بنُ صوريا، وكان أعلَمَ من بَقِيَ مِن الأحبارِ بالتوراةِ- كَفَّه على ما يَخُصُّ الرَّجْمَ فيها، وبدَأَ هذا الرَّجلُ يَقرَأُ ما قبْلَ آيةِ الرَّجْمِ وما بعْدَها ولا يَقرؤُها، فَأزاحَ عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ رضِي اللهُ عنه يَدَه عَن آيةِ الرَّجمِ وقال له: ما هذه؟! فلمَّا رأى اليهودُ ذلك قالوا: هي آيةُ الرَّجْمِ، فَأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالرَّجلِ والمرأةِ، فَرُجِما بالقُرْبِ مِن مَوضعِ الجنائزِ عندَ المسجدِ النَّبويِّ.
فلمَّا بدَأَ النَّاسُ بالرَّجْمِ رأى عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما الرَّجلَ الذي زنى بالمرأةِ يَحْنِي عَلَيْهَا، أي: يَميلُ ويَكُبُّ على المرأةِ؛ لِيحمِيَها مِنَ الحجارةِ.
وفي الحديث: إقامةُ الحُدودِ على غيرِ المُسلِمين المقيمين في بلادِنا.
وفيه: أنَّ غيرَ المُسلِمين إذا تحاكَموا إلى المسلِمين حكم القاضي بينهم بحُكْمِ شَرْعِنا.