باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي
بطاقات دعوية
عن أبي بردة عن أبيه قال صلينا المغرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء قال فجلسنا فخرج علينا فقال ما زلتم ههنا قلنا يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء قال أحسنتم أو أصبتم قال فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أنا (2) أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. (م 7/ 183
بَعَث اللهُ سُبحانه نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالدِّينِ القويمِ، وجَعَله رَحمةً للعالَمِين، وقيَّدَ له صَحابةً كِرامًا رَضيَ اللهُ عنهم ورَضُوا عنه، وجاهَدوا في اللهِ حتَّى ظَهَر الحقُّ وانتَشَر الدِّينُ، فكان كلُّ ذلك أمانًا للعالَمِين.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو مُوسى الأَشْعَرِيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنهم صَلَّوُا المَغْرِبَ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَسْجدِه، وجَلَسوا حتَّى يُصَلُّوا معه الْعِشاءَ، فَخرجَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليهم -وكانت حُجراتُ زَوجاتِه مُلاصِقةً ومَفتوحةً أبوابُها إلى المسجِدِ- فقالَ: «ما زِلْتُم هاهنا؟» أي: في المسجدِ على حالِكُم، فَأجابوه أنَّهم صَلَّوا مَعه المَغْرِبَ ويَجلسونَ حتَّى يُصَلُّوا مَعه العِشاءَ، فقالَ لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَحْسَنْتُمْ أَو أَصبْتُم» يُثْني عليهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في فِعلِهم هذا وانتظارِهِم لصَلاةِ العِشاءِ، ثمَّ رفَعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأسَه إلى السَّماءِ، وكانَ كثيرًا مَا يَرفعُ رأسَه إلى السَّماء يَتأمَّلُ عَظيمَ خَلقِها وما فيها مِن نُجومٍ وكَواكبَ، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «النُّجومُ أَمَنةٌ لِلسَّماءِ» أي: عَلامةُ الأمنِ والأمانِ والسَّلامةِ؛ فهي عَلامةٌ على دَوامِ السَّماءِ، «فإذا ذَهبَتِ النُّجومُ أتى السَّماءَ ما تُوعدُ» أي: إنَّ النُّجومَ ما دامَتْ باقيةً فالسَّماءُ بَاقيةٌ، فإذا تناثرَت النُّجومُ في القِيامةِ ضَعُفَت السَّماءُ، فَانفطرَتْ وانشقَّتْ وذهبَتْ، قال اللهُ تَعالَى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ} [المرسلات: 8، 9].
ثمَّ قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وأنا أَمَنةٌ لِأصحابي» أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ رَفَع عن أصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم بَلاءَ الأُمَمِ السَّابقةِ مدَّةَ بَقائهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيهم، كما قال سُبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33]، فلمَّا مات رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ظَهَرت فيهم الفِتَنُ والحروبُ وارتدادُ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الأعرابِ واختلافُ القلوبِ، وهو المرادُ بقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فإذا ذَهَبتُ» أي: بالموتِ، «أتَى أصحابي ما يُوعَدون».
ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وأصْحابي أَمَنةً لِأُمَّتي» يعني: أنَّ أصحابَه رَضيَ اللهُ عنهم مدَّةَ حَياتِهم بعْدَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ يكونُ الدِّينُ قائمًا، والحقُّ ظاهرًا، والنَّصرُ على الأعداءِ حاصلًا، «فإذا ذهبَ أصحابي أتى أُمَّتي ما يُوعدونَ» مِن ظُهورِ البِدعِ والحوادثِ في الدِّينِ والفِتَنِ فيه، وبعْدَ مَوتِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم غَلَبَت الأهواءُ على النَّاسِ وظَهَرَت البِدعُ والمنكَراتِ، ولا يَزالُ أمرُ الدِّينِ مُتناقصًا إلى ألَّا يَبْقى على الأرضِ أحدٌ يقولُ: اللهُ اللهُ، وهو الَّذي وُعِدت به أُمَّتُه، ولعلَّ المرادَ مِن أصحابهِ أصحابٌ مُعيَّنون، كأبي بَكرٍ وعُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما، كما وَرَد في حَديثِ حُذَيفةَ في الصَّحيحينِ عن الفِتنةِ، وأنَّ عُمرَ كان البابُ الَّذي يَغلِقُها، وأنَّ هذا البابَ يَنكسِرُ بمَوتِه رَضيَ اللهُ عنه.
وفي الحديثِ: مِن دَلائلِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: بَيانُ فَضلِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الأُمَّةِ.