باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه؛ إذا كان النوح من سنته، لقول الله تعالى {قوا أنفسكم وأهليكم نارا}
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: شهدنا بنتا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال: فقال:
"هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟ (18) "، فقال أبو طلحة: أنا، قال: "فانزل [في قبرها 2/ 93] "، قال: فنزل في قبرها [206 - فقبرها].
[قال ابن المبارك: قال فليح: أراه يعني الذنب. قال أبو عبد الله: {ليقترفوا}: ليكتسبوا]
للمَيتِ أحكامٌ في التَّغسيلِ والتَّكفينِ والدَّفنِ، ومِن ذلك أن يَلِيَه في كلِّ هذه الأمورِ المأمونونَ مِن الناسِ؛ لِيَسْتروا عليه أمْرَه وما يَرَوْنَه، وللنِّساءِ حُرمةٌ خاصَّةٌ، فيَليهِنَّ مَنِ اتصَّفَ بزيادةِ التقْوى.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ بِنتًا لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُوفِّيتْ، قيل: هي أُمُّ كُلْثومٍ زوجةُ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنهما، وأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد شَهِدَ دفْنَها ومعه جمْعٌ مِن أصحابِه، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالِسًا على جانِبِ القبرِ وعَيْناه تَدمَعان، ثُمَّ سَأل أصحابَه الحاضرينَ: هلْ منكم مِن رجُلٍ لم يُقارفِ، يعني: لم يُجامِعِ امرأتَه اللَّيلةَ؟ وقيل: لم يرتكِبْ ويكتسِبْ ذنْبًا، كما قال اللهُ تعالى: {وَلْيَقْتَرِفُوا} {الأنعام: 113]، فقال أبو طلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه: أنا، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فانزِلْ وتَوَلَّ دفْنَها في قبرِها، فنزَلَ في قبْرِها؛ وقدْ كان أبو طَلْحةَ زَيْدُ بنُ سَهلٍ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه هو الَّذي يَحفِرُ لأهلِ المَدينةِ ويَدفِنُ في اللَّحدِ؛ فهو مِن أهلِ الخِبرةِ في الدَّفنِ، والأَوْلَى بنُزولِ قَبرِ المرأةِ وتولِّي دَفنِها هو الأعرَفُ بطريقةِ الدَّفنِ، سواءٌ كان مِن مَحارِمِها أو مِن غيرِ مَحارِمِها. وقِيلَ: أَوْلى الناسِ بإدْخالِ المرأةِ قبْرَها مَحرَمُها، وهو مَن كان يحِلُّ له النظرُ إليها في حَياتِها, ولها السفَرُ معه؛ لِمَا رواه ابنُ أبي شَيبةَ في المُصنَّفِ عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبْزَى، قال: «صلَّيتُ مع عُمرَ رَضيَ اللهُ عنه على زَينبَ زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فكبَّر أربعًا، ثُم أرْسَلَ إلى أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن يُدخِلُها قبْرَها؟ وكان عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه يُعجِبُه أنْ يُدْخِلَها قبْرَها، فأرْسَلْنَ إليه رَضيَ اللهُ عنهنَّ: يُدخِلها قبْرَها مَن كان يراها في حَياتِها، قال: صَدَقْنَ»، فإنْ لم يكُنْ لها محارِمُ أو وُجِدوا إلَّا أنَّ بهم مانعًا جازَ أن يُنزِلَها الأجنبيُّ كما في هذا الحَديثِ.
وفي الحديثِ: بُكاءُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حزْنًا على ابنتِه، وتِلك رَحمةٌ.
وفيه: أنَّ الأجانبَ المستوينَ في الصِّفاتِ يُقدَّمُ منهم مَن بَعُدَ عهْدُه بالجِماعِ.
وفيه: إدْخالُ الرِّجالِ المرأةَ قبْرَها؛ لكَونِهم أقوَى على ذلك مِن النِّساءِ، ولتجنُّبِ النِّساءِ مِثلَ هذه المواطِنِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الجُلوسِ على شَفيرِ القَبرِ عندَ الدَّفنِ.