باب قوله تعالى {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}
بطاقات دعوية
عن ابن عباس قالَ: لمّا دخل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - البيت دعا في نواحيه كلِّها، ولم يصلِّ؛ حتى خرجَ منه، فلما خرجَ ركعَ ركعتَين في قُبُلِ الكعبةِ، وقالَ: "هذه القِبلةُ".
الكَعبةُ المُشرَّفةُ هي بيتُ اللهِ العتيقُ، ولها مكانةٌ عظيمةٌ في قلوبِ المسلمينَ، وقد صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في جَوْفِها وداخِلَها عامَ فتحِ مكَّةَ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ ابنُ عبَّاس رَضيَ اللهُ عنهما بما فَعَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ دُخولِه للبَيتِ؛ يَقصِدُ الكعبةَ، وأنَّه دَعَا في جِهاتِها كلِّها، ولم يُصَلِّ داخلَها، فلمَّا خرَج مِن الكعبةِ صلَّى ركعتَينِ إلى الكعبةِ وفي جِهَتِها، وقولُه: «في قُبُلِ الكعبةِ» هو نقيضُ الدُّبُرِ، والمرادُ: الجِهةُ الَّتي فيها البابُ. ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هذه القِبلةُ»، ومعناه: أنَّ أمْرَ القِبلةِ قدِ استَقرَّ على استِقبالِ هذا البَيتِ، فلا يُنسَخُ بعْدَ اليومِ، فصَلُّوا إليه أبدًا. ويَحتمِلُ أنَّه عَلَّمهم سُنَّةَ موقِفِ الإمامِ؛ فإنَّه يقِفُ في وجْهِها دُونَ أركانِها وجوانبِها الثلاثةِ، وإنْ كانتِ الصَّلاةُ في جميعِ جِهاتِها مُجزِئةً.وقد ثبَت في الصَّحيحَينِ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا سُئِل بِلالٌ عن صلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في البيتِ، قال: «نَعَمْ، رَكعتَينِ، بيْنَ السَّارِيَتَينِ اللَّتَينِ على يَسارِه إذا دَخَلْتَ».وقد جُمِع بيْنَ هذا الحديثِ وحديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما بأنَّ إثباتَ بِلالٍ مقَدَّمٌ على نفْيِ غيرِه؛ لأنَّ ابنَ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما لم يكُنْ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَئذٍ، وإنَّما أسنَدَ نفْيَه تارةً لأُسامةَ رَضيَ اللهُ عنه، وتارةً لأخيه الفضلِ رَضيَ اللهُ عنه. وقيل: يحتملُ أن يَكونَ دُخولُ البَيتِ وقَع مرَّتَينِ، صلَّى في إحداهُما، ولم يُصَلِّ في الأخرى.