باب كتاب الرؤيا
بطاقات دعوية
حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة
ختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولم يبق من آثارها إلا البشريات التي يبشر الله تعالى بها المؤمن في الرؤيا، فيبشره الله بخير، أو يحذره من شر، وكلما كان المرء أكثر إيمانا وتقوى كانت رؤياه أكثر صدقا وتحققا
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه «إذا اقترب الزمان» ومعناه قصر زمان الأعمار وقلة البركة فيها. وقيل: هو دنو زمان القيامة، كما في رواية أبي داود، وقيل: هو قصر مدة الأيام والليالي على ما روي عند أحمد: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة الخوصة»، فإذا كان ذلك كانت رؤيا المؤمن -وهو ما يراه الإنسان حال نومه- صادقة لا تكاد تكذب، أي: أنها تقع غالبا على الوجه المرئي لا تحتاج إلى التعبير، فلا يدخلها الكذب، والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان: أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبا، كما في الحديث: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا» أخرجه مسلم. فيقل أنس المؤمن ومعينه في ذلك الوقت، فيكرم بالرؤيا الصادقة، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من علم النبوة، والنبوة غير باقية؛ فقد انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن علمها باق، والجزء: النصيب والقطعة من الشيء، ورؤيا المؤمن جعلها الله تعالى بشرى لصاحبها في الدنيا والآخرة، أو تحذيرا له، ففيها اطلاع على أمر غيبي؛ لذلك كانت جزءا من أجزاء النبوة، وهي علامة على صلاح العبد، وما كان من أجزاء علم النبوة فإنه لا يكذب، بل يكون صادقا
ثم قال التابعي محمد بن سيرين: «وأنا أقول هذه» أي: أن رؤيا هذه الأمة صادقة كلها صالحها وفاجرها؛ ليكون صدق رؤياهم زجرا لهم وحجة عليهم؛ لدروس أعلام الدين وطموس آثاره بموت العلماء وظهور المنكر
وقال ابن سيرين: «وكان يقال» والقائل هنا هو النبي صلى الله عليه وسلم، كما في رواية مسلم: الرؤيا على ثلاثة أنواع: الأول منها: «حديث النفس»، وهو ما كان في اليقظة في خيال الشخص، فيرى ما يتعلق به عند المنام، والثاني: «تخويف الشيطان» وهو الحلم ورؤية ما يكره، والثالث: «بشرى من الله» وهي المبشرات، والتعبير بالمبشرات خرج للأغلب؛ فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة، يريها الله للمؤمن؛ رفقا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه. «فمن رأى» في منامه «شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد» بل يسره في نفسه ويحتفظ به في قلبه، «وليقم فليصل»، وفي رواية لمسلم: «فليبصق عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» فيكون القصد من الصلاة هو التوجه إلى الله والدعاء فيها والاستعاذة بالله من الشيطان حتى يرتفع ما في نفسه من الخوف
وقد اختلفت الروايات في العدد من ستة وعشرين جزءا إلى سبعين جزءا، وأشهر التأويلات في ذلك: أن الاختلاف راجع إلى حال الرائي؛ فرؤيا الناس تكون من سبعين، ورؤيا الصالح تكون من ستة وأربعين، وهكذا تفاوتت على مراتب صلاح العبد
ثم ذكر ابن سيرين أن المعبرين كانوا يكرهون للنائم أن يرى في نومه الغل، وهو الحديدة تجعل في العنق؛ لأنه لا يجعل في الأعناق إلا نكاية وعقوبة، وقهرا وإذلالا، فيسحب على وجهه، ويجر على قفاه، كما قال تعالى في أهل النار: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون} [غافر: 71، 72] وكان يعجب المعبرين للرؤى رؤية القيد في النوم، والقيد هو ما يوضع في القدم، ولعل ذلك لأنه يرمز إلى الكف عن المعاصي والشرور وأنواع الباطل، خاصة إذا رأى ذلك وهو في مسجد، أو مشهد خير، أو على حالة حسنة؛ فهو دليل لثباته في ذلك
وفي الحديث: بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله تعالى
وفيه: دلالة على وجود الرؤيا الصالحة التي لا بد أن يظهر لها وجود في الواقع، وأن تفسيرها يقع في اليقظة على حسب تعبيرها