باب كتاب الزهد والرقائق

بطاقات دعوية

باب كتاب الزهد والرقائق

حديث سعد، قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله ورأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة، ماله خلط ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام خبت إذا، وضل سعيي

لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم في بداية الدعوة يعيشون رغد العيش، وهناءة المقام؛ بل كانوا يقاسون ظروف الحياة، ولم يمنعهم ذلك من بذل مزيد من العطاء والتضحية من أجل هذا الدين، وكان الصحابة الكرام يتسابقون في الدفاع عن دين الله، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يخبر بما كان منه، فيقول: «إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله»، وكان ذلك في أول سرية بعثها صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة، وهي سرية عبيدة بن الحارث بن المطلب، فكان سعد رضي الله عنه أول من رمى، ويحكي رضي الله عنه ما كان من حالهم في الغزو مع رسول الله من قلة المؤنة والزاد، حتى إنهم ليأكلون ورق الشجر رضي الله عنهم وأرضاهم، فيخرج أحدهم عند قضاء الحاجة كما تخرج الشاة أو البعير -وهو الجمل- فالبراز يابس «ما له خلط»، أي: لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه وتفتته
وكان كلام سعد رضي الله عنه عن سبقه في الإسلام مقدمة وتمهيدا للرد على ما اتهمه به أهل الكوفة، فإنه بالرغم من هذا الفضل والسبق الذي قدمه في الإسلام، لم يسلم رضي الله عنه من وشاية بعض أهل الكوفة من بني أسد؛ إذ شكوه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه لا يحسن الصلاة، وكانوا يعزرونه بذلك، أي: يعيرونه، وفي قوله: «ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام» عبر عن الصلاة بالإسلام، كما عبر عنها بالإيمان في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143]؛ إيذانا بأنها عماد الدين ورأس الإسلام
ولذلك قال سعد رضي الله عنه مستعجبا ومنكرا عليهم: «لقد خبت إذن، وضل عملي» إن كنت لم أحسن الصلاة، وأفتقر إلى تعليم بني أسد مع سابقتي في الإسلام، فلما استفتاه عمر رضي الله عنه واستفسر منه في ذلك -كما في رواية أخرى للبخاري من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه- قال: «أما والله إني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخرم عنها»، أي: ما أنقص صلاتي من صلاته
وفي الحديث: منقبة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ببلائه وسابقته في الإسلام
وفيه: أن شظف العيش وقلة المؤنة لا يبرر للمسلم التقاعس، وعدم الدفاع عن دين الله سبحانه، والدعوة إليه؛ فكيف بمن وسع الله عليه؟!
وفيه: الصبر في الدعوة إلى الله عز وجل