باب كراء الأرض بالذهب والفضة

بطاقات دعوية

باب كراء الأرض بالذهب والفضة

عن رافع بن خديج: حدثني عماي [وكانا شهدا بدرا 5/ 18] أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ينبت على الأربعاء، أو شيء يستثنيه صاحب الأرض، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقلت لرافع: فكيف هي بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم.
وقال الليث: اوكان الذي نهي عن ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه؛ لما فيه من المخاطرة

جاء الإسلامُ لِيُنظِّمَ العَلاقاتِ والمُعامَلاتِ بيْن النَّاسِ، وجَعَلَ هذه العَلاقاتِ قائمةً على مَبدأِ التَّعاونِ والأُلْفةِ، والمَحبَّةِ والمَودَّةِ، والبُعْدِ عن النِّزاعِ والشِّقاقِ، والضَّررِ والظُّلْمِ، والخِداعِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ رافعُ بنُ خَديجٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ عمَّيْه ظُهَيرَ بنَ رافعٍ، وعمَّا آخَرَ اسْمُه: مُظَهِّرٌ، أخْبَراه أنَّهم كانوا يُكرون المَزارعَ على عهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على ما يَخرجُ على جَوانبِ الأربعاءِ، وهي الأنهارُ الصَّغيرةُ في الأرضِ ووسَطِها، وفي مُقابلِ شَيءٍ يَستثنيهِ صاحبُ الأرضِ أثناءَ العقْدِ، كالثُّلثِ، أو الرُّبعِ، أو غيرِ ذلك، فنَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَن هذا النَّوعِ مِنَ الكراءِ، وليس عَن كلِّ أنواعِ الكراءِ؛ وذلك أنَّ هذا النَّوعَ مِنَ الكراءِ كان فيه شَرْطٌ فاسدٌ وجَهالةٌ، وقد يَسلَمُ هذا ويُصيبُ غيرَه آفةٌ، أو بالعكسِ، فَتقَعُ المُزارَعةُ ويَبقى المُزارِعُ أو رَبُّ الأرضِ بلا شَيءٍ.
ولَمَّا سُئِل رافعٌ عن كِراءِ المَزارعِ في حالِ كان التَّعامُلُ فيه بالعُملةِ السَّاريةِ يومَئذٍ، وهي الدِّينارُ الذَّهبيُّ، أو الدِّرهمُ الفِضِّيُّ -أجاب بأنَّه لا حرَجَ في ذلك، ويَحتمَلُ أنْ يكونَ ذلك اجتهادًا منه رَضيَ اللهُ عنه، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ عَلِم ذلك بطَريقِ التَّنصيصِ على جَوازِه، أو عَلِم أنَّ النَّهيَ عن كِراءِ الأرضِ ليس على إطلاقِه، بل بما إذا كان بشَيءٍ مَجهولٍ، ونحْوِ ذلك، فاستَنبَط مِن ذلك جَوازَ الكِراءِ بالذَّهبِ والفضَّةِ.
ولا يُخالِفُ ذلك ما صالَحَ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَهودَ خَيْبرَ على أنْ يَزْرَعوا الأرضَ ولهم النِّصْفُ، وللنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النِّصْفُ، وظَلَّ العملُ به إلى مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبه عَمِلَ الخُلفاءُ الرَّاشدون مِنْ بَعْدِه؛ فالمُزارَعةُ على جُزءٍ مِن الثَّمَرِ غيرُ المُزارَعةِ والمُؤاجَرةِ على تَخصيصِ أرضٍ بما تُنبِتُه.
ولذلك فقدْ بيَّن اللَّيثُ بنُ سعدٍ -مِن رُواةِ وأئمَّةِ الحَديثِ- أنَّ المَنهيَّ عنه مِن كِراءِ الأرضِ هو الَّذي إذا نَظَر فيه أهلُ العِلم والبَصيرةِ في الحَلالِ والحَرامِ، لم يُجيزِوه؛ لِمَا فيه مِن المُخاطَرةِ، وهي: فِعلُ ما يكونُ الضَّررُ فيه غالبًا، مَأخوذةٌ مِن الخطَرِ، وهو الإشرافُ على الهلاكِ، والمقصودُ بذلك كِراءُ الأرضِ على الوجْهِ المُفضي إلى الغَرَرِ والجَهالةِ.