باب كراهية أن يشير بيده إذا سلم من الصلاة
بطاقات دعوية
عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال كنا إذا صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا السلام عليكم ورحمة الله (2) السلام عليكم ورحمة الله وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "علام تومئون بأيديكم"؟ وفي رواية "مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس (3) وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله". (م 2/ 29 - 30)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نِعمَ المُعلِّمُ والمُربِّي لأصحابِه؛ فقد كان يُلاحِظُهم في كلِّ أحوالِهِم، ويُرشِدُهم إلى ما فيه خيرُهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ سَمُرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرَجَ على أصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم ذاتَ مَرَّةٍ وهُم يُصلُّونَ، فرأى أصحابَه يَرفَعُون أيديَهم، فقالَ: «ما لي أراكُم رافِعي أيْدِيكم»، عندَ التَّسليمِ والخُروجِ مِنَ الصَّلاةِ، «كأنَّها أذنابُ» وذُيولُ «خيْلٍ شُمْسٍ؟!» وهي الخَيلُ الَّتي لا تَستقِرُّ بل تَضطرِبُ وتَتحرَّكُ بأذنابِها وأرجُلِها، وتَرفَعُها رفعًا مُنكَرًا مُختالةً، والمُرادُ: النَّهيُ عن رفعِ الأيدي عندَ السَّلامِ والخُروجِ مِنَ الصَّلاةِ، وهذا لا يتَناسَبُ مع هَيبةِ الصَّلاةِ، وما يَجِبُ أن يَكونَ فيها مِنَ الخُشوعِ، ثُمَّ أمَرَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالسَّكينةِ وهي الطُّمأنينةُ في الصَّلاةِ، وفي روايةٍ أُخرى لمُسلمٍ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «إذا سلَّم المُصلِّي فلْيَلتفِتْ إلى صاحبِه ولا يُومِئْ بيَدِه»، أي: عندَ السَّلامِ والخُروجِ مِنَ الصَّلاةِ يَلتفِتُ بوجهِه عن يَمينِه وشِمالِه ويَقولُ: السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، وأكَّدَ عليهمُ النَّهيَ في تَركِ الإشارةِ بالأيدي.
ثُمَّ أخبَرَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرَجَ عليهم مَرَّةً أُخرى، فرآهم يُصلُّونَ في حَلَقاتٍ، والمُرادُ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رأى صُفوفَهم مُعوَجَّةً مُخلخَلةً غيرَ مُتَّصِلةٍ، كأنَّها حَلَقاتٌ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما لي أراكم عِزِينَ؟!» أي: جَماعاتٍ مُتفرِّقين في حَلقاتٍ مُتعدِّدةٍ، وهذا إنكارٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ جابرٌ: ثُمَّ خرَجَ علينا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَرَّةً أُخرى، فقالَ مُعلِّمًا إيَّاهم كيف يَقِفون في الصَّلاةِ: «ألَا تَصُفُّون كما تَصُفُّ الملائكةُ عند ربِّها؟» فسألَ الصَّحابةُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الكَيفيَّةِ التي تَصُفُّ عليها الملائكةُ عندَ ربِّها؟ قال: «يُتمُّونَ الصُّفوفَ الأُوَلَ، ويَتراصُّون في الصَّفِّ»، أي: تَتراصُّون في الصُّفوفِ بجِوارِ بعضِكم، وتُتِمُّونها صَفًّا صَفًّا، الأوَّلَ، ثمَّ الثَّانيَ، ثمَّ الثَّالثَ، وهكذا في كلِّ الصُّفوفِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ مُلاحَظةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه، وإرشادُهم وتَعليمُهم كلَّما رأى منهم ما يَستدعي ذلك، وهكذا يَنبغي أن يَفعَلَ العلماءُ مع النَّاسِ.
وفيه: الحثُّ على الخُضوعِ في الصَّلاةِ، وعدمِ التَّشبُّه بالحَيواناتِ.
وفيه: إنكارُ التَّفرقةِ في المجالسِ، والحثُّ على التَّجمُّعِ.
وفيه: الأمرُ بإتمامِ الصُّفوفِ وتَسويتِها في الصَّلاةِ.