باب كراهية السخب في السوق
بطاقات دعوية
عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قلت: أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، قال: أجل؛ والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر (وفي رواية: ويصفح 6/ 45)، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها (64) أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.
كان لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الذِّكرُ الحَسَنُ في الأُمَمِ السابقةِ، ووَرَدَ ذِكرُه باسمِه ووَصْفِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في التَّوراةِ والإنجيلِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عَطاءُ بنُ يَسارٍ أنَّه لَقِيَ عبدَ اللهِ بنَ عمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما، فسَأَلَه عن صِفةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في التَّوراةِ؛ وذلك أنَّ عبدَ اللهِ كان يَقرَأُ كثيرًا في التَّوراةِ، فأخبَرَه عَبدُ اللهِ بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَذكورٌ في التَّوراةِ ببَعضِ صِفاتِه الَّتي في القرآنِ؛ أي: بالمَعنى، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الأحزاب: 45]، أي: شاهدًا لأُمَّتِك المؤمنين بتَصديقِهم لنُبوَّتِك وبما جاء في رِسالتِك، وعلى الكافِرينَ بتَكذِيبِهم، أو شاهدًا للرُّسلِ قبْلَك بالبَلاغِ، {وَمُبَشِّرًا} للمُؤمنينَ، والبِشارةُ هي الإخبارُ بالأمرِ السارِّ، {وَنَذِيرًا} للكافِرينَ، والنِّذارةُ هي الإخبارُ بالأمرِ المُخيفِ؛ لكي يُجتنَبَ ويُحذَرَ. أو مُبَشِّرًا للمُطيعِينَ بالجَنَّةِ، ونَذيرًا للعُصاةِ بالنَّارِ، «وحِرزًا»، أي: حِصنًا، «للأُمِّيينَ» وهم العرَبُ، يَتحصَّنونَ به مِن الشَّيطانِ، أو مِن سَطْوَةِ العَجَمِ وتَغَلُّبِهم، وسُمُّوا أُمِّيِّينَ؛ لأنَّ أَغلَبَهم لا يَقرَؤونَ ولا يَكتُبونَ. «أنت عَبدِي ورَسولي، سَمَّيتُك المُتوكِّلَ»، أي: المُتوَكِّلَ على اللهِ؛ لقَناعتِه باليَسيرِ مِنَ الرِّزقِ، واعتِمادِه على اللهِ في النَّصرِ، والصَّبرِ على انتظارِ الفَرجِ، والأخذِ بمَحاسنِ الأَخلاقِ واليَقينِ بتَمامِ وَعْدِ اللهِ، «ليس بِفَظٍّ»؛ وهو سَيِّئُ الخُلُقِ الجافي، «ولا غَليظٍ» قَاسي القَلبِ، «ولا سَخَّابٍ في الأسواقِ»، أي: لا يَرفَعُ صَوتَه على النَّاسِ في الأسواق لسُوءِ خُلُقِه، ولا يُكثِرُ الصِّياحَ عليهم، بل يُلينُ جانِبَه لهم ويَرفُقُ بهم، «ولا يَدفَعُ بالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، ولكنْ يَعفو ويَغفِرُ»، وذلك ما لم تُنتْهَكْ حُرماتُ اللهِ تعالَى، «ولن يَقبِضَه اللهُ حتَّى يُقيمَ به المِلَّةَ العَوجَاءَ»، والمرادُ بها: مِلَّةُ الكفْرِ، فأقام اللهُ بنَبيِّه عِوَجَ الكفْرِ حتى ظَهَرَ دِينُ الإسلامِ، ووَضَحَت أعلامُه، وقيل: هي مِلَّةُ إبراهيمَ؛ فإنَّها قدِ اعوَجَّت في أيَّامِ الفَترَةِ، فزِيدَ فيها ونُقِصَ منها، وغُيِّرَت عن استِقامَتِها وأُمِيلَت بَعدَ قَوامِها، فأقامَها بـ«لَا إلَه إلَّا اللهُ»، فكان هذا أمْرًا بتَرْكِ الشِّركِ، وإرْجاعِهم إلى تَوحيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويَهْدي به اللهُ أَعيُنًا عُمْيًا لا تُبصِرُ الحقَّ، وآذانًا صُمًّا لا تَسمَعُ دَعوةَ الخيرِ، وقُلوبًا غُلْفًا غَطَّتْها ظُلمةُ الشِّركِ، فكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَببًا في هِدايةِ النَّاسِ إلى الإسلامِ وتَعريفِهم بدِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.