باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ثم يفارقها وتنقضى عدتها
حديث عائشة، قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني، فأبت طلاقي، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، إنما معه مثل هدبة الثوب، فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وأبو بكر جالس عنده، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له فقال: يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه، ما تجهر به عند النبي صلى الله عليه وسلم
لقد نظم الشرع الحكيم أمور الزواج والطلاق؛ حفاظا على الأعراض، وحرصا على تكوين أسر مسلمة مستقرة
وفي هذا الحديث يحكي التابعي عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما أن الصحابي رفاعة القرظي رضي الله عنه طلق امرأته تميمة بنت وهب رضي الله عنها، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي رضي الله عنه، فذهبت تميمة إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعليها خمار أخضر، والخمار هو ما تغطي به المرأة رأسها، فشكت إليها من زوجها عبد الرحمن وأرتها خضرة بجلدها من أثر ضربه لها، فلما جاء صلى الله عليه وسلم «والنساء ينصر بعضهن بعضا» هذه الجملة اعتراضية من قول عكرمة راوي الحديث، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «يا رسول الله، ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات!» تعني شدة الإيذاء الذي وقع على هذه المرأة من زوجها، ووصفت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شدة ما رأت من أثر الضرب، فذكرت أن جلدها أشد خضرة من ثوبها، تعني الخمار الأخضر الذي كان عليها
وسمع زوجها عبد الرحمن بن الزبير رضي الله عنه أنها قد ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكوه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابنان له من غيرها، فقالت تميمة رضي الله عنها: والله ما لي إليه من ذنب يكون سببا لضربه لي إلا أن ما معه من آلة الجماع ليس بأغنى عني من هذه الهدبة! أي: ليس دافعا عني شهوتي؛ لقصور آلته أو استرخائها عن المجامعة كهذا الطرف من الثوب الرخو (هدبة الثوب)، وأمسكت طرفا من ثوبها! فقال زوجها عبد الرحمن رضي الله عنه مدافعا عن نفسه: «كذبت والله يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم»، أي: كنفض الأديم، والأديم يطلق على الجلد، والتشبيه هنا هو كناية عن كمال قوة الجماع، «ولكنها ناشز» من النشوز، وهو امتناع المرأة من زوجها، «تريد رفاعة» زوجها السابق، فبين لها صلى الله عليه وسلم أنه إن كان الأمر كما يقول زوجها عبد الرحمن رضي الله عنه فإنها لا تحل -أو لا تصلح- لرفاعة زوجها السابق، حتى يذوق عبد الرحمن زوجك من عسيلتك؛ فشبه لذة الجماع بذوق العسيلة، مشتقة من العسل.
قال عكرمة: وأبصر صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن رضي الله عنه ابنين، فسأله: بنوك هؤلاء؟ فأجابه: نعم. فقال صلى الله عليه وسلم: هذا الذي تزعمين ما تزعمين؛ من عنته وعدم قدرته على الجماع؟! «فوالله لهم»، أي: أولاده «أشبه به» في الخلق «من الغراب بالغراب»، فاستدل صلى الله عليه وسلم على كذبها في دعواها بشبه الولدين له