باب لا تقوم الساعة حتى تغزى مدينة جانبها في البحر والآخر في البر
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر قالوا نعم يا رسول الله قال لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها قال ثور لا أعلمه إلا قال الذي في البحر ثم يقولوا الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر ثم يقولوا الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلوها فيغنمون (1) فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم الصريخ فقال إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون. (م 8/ 188)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُبشِّرُ أَصحابَه بالفُتُوحاتِ؛ ليُثبِّتَ قُلُوبَهم، ويُخبِرُهم بمَوعودِ اللهِ بانتشارِ الإسلامِ والتَّمكينِ والنَّصرِ
وفي هذا الحديثِ يَسألُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّحابةَ: هلْ سَمِعْتُم عنْ مَدينةٍ، جانبٌ مِنها في البرِّ، وجانبٌ مِنها في البحرِ؟ وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: أنَّها قُسطَنْطينيَّةُ، وقيل: المرادُ مَدينةُ رُوما، فأخبَرَ الصَّحابةُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهم قدْ سَمِعوا بها، فقالَ لَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا تَقومُ السَّاعةُ حتَّى يَغزوَها سَبعونَ ألفًا مِن بَني إِسحاقَ»، والمرادُ بهم: مَن أَسلمَ مِن غيرِ العربِ، وهُمْ مِن سُلالةِ نَبيِّ اللهِ إِسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهِما السَّلامُ، ولعلَّ المرادَ بهم أكرادُ الشَّامِ، قيل: يَحتمِلُ أنْ يكونَ معهم غيرُهم مِن بَني إسماعيلَ عليه السَّلامُ، وهُم العربُ، أو غيُرهم مِن المسْلِمين، واقتصَرَ على ذِكرِه بَني إسحاقَ تَغليبًا لهُم على مَن سِواهم، والمعنى: أنَّ مِن عَلاماتِ قُربِ قِيامِ القيامةِ فتْحَ تلك المدينةِ على المسْلِمين، فإذا جاؤوا إلى المدينةَ، نَزلوا حَوالَيْها مُحاصرينَ أَهلَها فلم يُقاتِلوا بسِلاحٍ، وَلم يَرْموا بسَهمٍ، ولكنْ يَقولون: «لا إلَهَ إلَّا اللهُ واللهُ أَكبرُ»، فيَسقطُ أَحدُ جانِبَيْها، أي: أَحدُ طَرفَي سُورِ المدينةِ، فقالَ ثورُ بنُ زَيدٍ الدِّيليُّ - أحدُ رُواةِ الحَديثِ-: لا أَظُنُّ أَبا هُريرةَ إلَّا قال: «الَّذي في البَحرِ» أي: أنَّ السُّورَ الَّذي سيَقَعُ أوَّلًا هو الَّذي في البَحرِ، ثُمَّ يقولُ المُسلِمونَ في المرَّةِ الثَّانيةِ: «لا إلَهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ»، فيَسَقَطُ جانِبُها الآخرُ الَّذي في البَرِّ، ويَقولونَ الثَّالثةَ: «لا إِلَهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أَكبرُ»، فيُفتحُ لَهم فيَدخلونَها فيَغنَمون مِن غَنائمِ تلكَ البلدةِ، والغَنيمةُ: هي كلُّ ما أخَذَه المُسلِمونَ مِن أموالِ الكفَّارِ على وَجْهِ الغَلَبةِ والقَهْرِ، فبيْنَما هُم على حالٍ يَقتَسِمونَ فيها المَغانِمَ، جاءَهمُ الصَّريخُ، وهو المُنادي المسْتغيثُ والمحذِّرُ لهم، فَيقولُ: «إنَّ الدَّجَّالَ قدْ خَرجَ»، أي: في أهلِيكم وذَرارِيِّكم، فيَتركونَ كلَّ شيءٍ منَ المَغانِم وغَيرِها ويَرجِعونَ سريعًا لمُقابلةِ الدَّجَّالِ، ومُساعدةِ الأَهلِ والعِيالِ
والدَّجَّالُ مِن الدَّجلِ، وهو التَّغطيةُ، سُمِّي به؛ لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه، وهو شَخصٌ مِن بني آدَمَ، يَدَّعي الأُلوهيَّةَ، وظُهورُه مِن العلاماتِ الكُبرى ليَومِ القِيامةِ، يَبتَلي اللهُ به عِبادَه، وأَقْدَره على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ تعالى: مِن إحياءِ الميِّتِ الَّذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهْرَيْهِ، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له، وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ؛ فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ الله تعالَى ومَشيئتِه
وفي الحديثِ: بيانٌ لبعضِ عَلاماتِ السَّاعةِ
وفيه: إشارةٌ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى كلِّ مُجاهدٍ في سَبيلِ اللهِ ألَّا يَستبْعِدَ أن يَفتحَ اللهُ الحُصونَ، ويَهدِمَ المَعاقلَ، بِقولِ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أَكبرُ