باب ما جاء أن أكثر أهل النار النساء2
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، وعبد الوهاب الثقفي، قالوا: حدثنا عوف هو ابن أبي جميلة، عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء، واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء»: " هذا حديث حسن صحيح، وهكذا يقول عوف: عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين «ويقول أيوب، عن أبي رجاء، عن ابن عباس،» وكلا الإسنادين ليس فيهما مقال. ويحتمل أن يكون أبو رجاء سمع منهما جميعا. وقد روى غير عوف أيضا هذا الحديث عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعِظُ أصحابَه بالتَّرغيبِ في نَعيمِ اللهِ وجَنَّتِه تارةً، وبالتَّرهيبِ مِن عَذابِه ونارِه تارةً أُخرى، وقدْ خلَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ الجَنةَ نَعيمًا لمَن أطاعَه، وخلَقَ النَّارَ عَذابًا لِمَن عَصاه، والجنَّةُ والنارُ مَخلوقتانِ ومَوجودتانِ الآنَ حَقيقةً، كما أخبَرَ اللهُ تَعالَى في كِتابِه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ» أي: رأَيتُ مَن فيها، قيل: رَأى ذلك ليْلةَ الإسراءِ، وقيل: في المنامِ؛ فرُؤيا الأنبياءِ حقٌّ، أو لعلَّ اللهَ أطْلَعَه على ذلك بالوحيِ، «فرَأَيْتُ أكْثَرَ أهْلِها الفُقَراءَ» فالفُقراءُ أكثرُ أهْلِ الجَنَّةِ، وليْسَ الفَقْرُ هو الَّذي أدخَلَهُمُ الجَنَّةَ، إنَّما أَدخلَهمُ اللهُ الجَنَّةَ بِصَلاحِهم وبصَبرِهم مَع الفَقرِ، ورِضاهم بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، فالفَقيرُ إِذا لَمْ يَكُنْ صالحًا فلا فَضلَ لَه في الفَقرِ، فهذه بِشارةٌ للمُؤمنينَ مِن الفُقراءِ الَّذين صَبروا على حالِهم، فبُشِّروا بالفَوْزِ العَظيمِ.
واطَّلَعَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على النَّارِ، فرَأَى أكْثَرَ أهْلِها النِّساءَ؛ وسَببُ ذلك ما جاءَ في الصَّحيحينِ: «تُكثِرْنَ اللَّعنَ، وتَكفُرْنَ العَشيرَ» واللَّعنُ: هو الدُّعاءُ بالطَّردِ مِن رَحمةِ اللهِ، وكُفرانُ العَشيرِ: هو جَحْدُهنَّ نِعمةَ الزَّوجِ وإنكارُ إحسانِه، وقدْ أوضَحَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَديثٍ آخَرَ في الصَّحيحينِ قال: «لو أَحْسَنْتَ إلى إِحداهُنَّ الدَّهرَ»، أَيِ: العُمْرَ كُلَّه، ثُمَّ رَأتْ مِنكَ شَيئًا وَاحدًا مِمَّا تَكْرَهُ، قالَت: «مَا رأيتُ مِنك خَيرًا قَطُّ»، أي: ما وَجدْتُ مِنكَ شيئًا يَنْفَعُني أو يَسُرُّني طيلَةَ حَياتي كُلِّها، وفي هذا إنذارٌ وتَحذيرٌ وتَرهيبٌ لِلنِّساءِ مِن فِعلِ الأسبابِ الَّتي تُوجِبُ لهُنَّ العذابَ.
وفي الحديثِ: أنَّ الجَنَّةَ والنارَ مخلوقتانِ وموجودتانِ.
وفيه: مُعجزةٌ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإطْلاعِ اللهِ تَعالَى له على الجَنَّةِ والنَّارِ وهُما من الغَيبِ، ورُؤيتِه لأهلِهما.
وفيه: حثُّ النِّساءِ عَلى المُحافَظةِ عَلى أَمْرِ الدِّينِ؛ لِئَلَّا يَدخُلْنَ النَّارَ.