باب ما جاء إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده
سنن الترمذى
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» وفي الباب عن أبي الأحوص، عن أبيه، وعمران بن حصين، وابن مسعود: «هذا حديث حسن»
خلَقَ اللهُ سُبحانَه الخلْقَ وهيَّأَ لهم أسبابَ الحَياةِ والرِّزقِ من عندِه، وعلَّمَنا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيف نَشكُرُ نِعَمَ اللهِ تعالى وفضْلَه علينا؛ بأنْ نُظْهِرَ هذه النِّعمَ من بابِ الإقرارِ بها دُونَ رياءٍ، كما أمَرَنا بعدمِ البُخْلِ والشُّحِّ على النَّفْسِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ اللهَ يحِبُّ أنْ يَرَى أثَرَ نِعْمتِه على عبْدِه"، أي: يحِبُّ أنْ يُظهِرَ العبْدُ فضْلَ اللهِ عليه بما رزَقَه من مالٍ أو جاهٍ، بأنْ يلبَسَ ثِيابًا تليقُ بحالِه؛ من النَّفاسةِ والنَّظافةِ، مع مُراعاةِ القَصْدِ وترْكِ الإسرافِ، وهذا من بابِ شُكْرِه على نِعَمِه، والاستِعانةِ بها على طاعتِه، واتِّخاذِها طريقًا إلى جنَّتِه، وهذا أفضلُ من الزُّهدِ فيها، والتَّخلِّي عنها، ومُجانبةِ أسبابِها؛ فأمَّا إنْ شغَلَتْه عنِ اللهِ تعالى، فالزُّهدُ فيها أفضلُ، وإنْ لم تَشْغَلْه وكان شاكرًا للهِ فيها، فحالُه أفضلُ، ويَزهُد بتَرْكِ تَّعلُّقِ قلْبِه بها والطُّمأنينةِ إليها.
وهذه الرِّوايةُ يوضِّحُها حديثٌ آخَرُ أخرَجَه ابنُ ماجه، وفيه: أنَّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "كُلوا واشْرَبوا وتصدَّقوا والْبَسوا، ما لم يُخالِطْه إسرافٌ أو مَخِيلةٌ"، أي: افْعَلوا كلَّ ذلك من أموالِكم، ولا حرَجَ عليكم فيما أباحه اللهُ عَزَّ وجَلَّ وفصَّلَته السُّنَّةُ النَّبويَّةُ، وهذا كما قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وقال تعالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، وهو جامِعٌ لفَضائلِ تَدْبيرِ الإنسانِ لنفْسِه، وفيه تَدبيرُ مَصالحِ النَّفْسِ والجسَدِ في الدُّنيا والآخرةِ.
وفي الحديثِ: اتِّخاذُ نِعمةِ اللهِ طريقًا إلى شُكْرِه بإظهارِها.
وفيه: بَيانُ سَعةِ الإسلامِ وتَيسيرِه على النَّاسِ في المُباحاتِ، دونَ إفراطٍ مُخلٍّ بالمالِ أو النَّفسِ، أو الدُّنيا والآخرةِ.