باب ما جاء في الاحتكار
سنن الترمذى
حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن المسيب، عن معمر بن عبد الله بن نضلة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحتكر إلا خاطئ» فقلت لسعيد: يا أبا محمد إنك تحتكر، قال ومعمر قد كان يحتكر: وإنما روي عن سعيد بن المسيب أنه كان يحتكر الزيت والخبط ونحو هذا: وفي الباب عن عمر، وعلي، وأبي أمامة، وابن عمر وحديث معمر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا احتكار الطعام، ورخص بعضهم في الاحتكار في غير الطعام وقال ابن المبارك: لا بأس بالاحتكار في القطن، والسختيان ونحو ذلك
الإسلامُ دِينُ المحبَّةِ والتَّعاونِ والإيثارِ، يَدْعو إلى كلِّ ما يُحقِّقُ ذلك، وقدْ مَنَعَ استغلالَ الإنسانِ لأخيهِ الإنسانِ، واستغلالَ حاجاتِه الضَّروريَّةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَنِ احتَكَرَ فهو خَاطئٌ، أي: عاصٍ آثمٌ، والخاطئُ مَن تَعمَّدَ ما لا يَنْبغي، والمخطِئُ مَن أرادَ الصَّوابَ فصارَ إلى غيرِه، والاحتكارُ هو إمساكُ السِّلعةِ ومَنعُها مِن الأسواقِ وادِّخارُها حتَّى يَزيدَ عليها الطَّلبُ والحاجةُ إليها، وحينئذٍ يَبِيعُها بأضعافِ ما كانتْ عليه وقْتَ شِرائِها؛ ولهذا فإنَّ الاحتكارَ لا يكونُ إلَّا فيما يَضُرُّ بالنَّاسِ حَبْسُه، وأمَّا مُجرَّدُ ادِّخارِ الطَّعامِ للنَّفْسِ والعيالِ، أو شِراؤهُ لِيَبيعَه في وَقتِه، فليْس هو بالاحتكارِ المذمومِ.
فَقيلَ لِسعيدِ بنِ المسيِّبِ -وهو مِن رُواةِ هذا الحديثِ-: «فإنَّكَ تَحتكرُ؟» فقال سعيدٌ: إنَّ الصَّحابيَّ مَعْمَرَ بنَ عبدِ اللهِ الَّذي كان يُحدِّثُ هذا الحَديثَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَحتَكِرُ، والمقصودُ منه الاحتكارُ المباحُ، وهو إذا كان لا يَضُرُّ بِأهلِ البلدِ، أو أنَّهما كانَا يَحتكرانِ الزَّيتَ، وحَمَلَا الحديثَ على احتِكارِ الأقواتِ عند الحاجةِ إليها والغلاءِ، قيل: الحاصلُ أنَّ العِلَّةَ هي الإضرارُ بالمسْلِمين، ويَسْتوي في ذلك القُوتُ وغيرُه؛ لأنَّهم يَتضرَّرون بالجميعِ.
وفي الحديثِ: النَّهْيُ عَنِ احتِكارِ الطَّعامِ ونحوِه مِمَّا يَحتاجُه النَّاسُ في وقتِ الشِّدَّةِ.