باب: ما جاء في الخلع 2
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن سلمة، قال: أنبأنا ابن القاسم، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل: أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذه؟» قالت: أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله، قال: «ما شأنك؟» قالت: لا، أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها، فلما جاء ثابت بن قيس، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر» فقالت حبيبة: يا رسول الله، كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت: «خذ منها»، فأخذ منها وجلست في أهلها
أقام الإسلامُ نِظامَ الأُسرةِ على المودَّةِ والرَّحمةِ والوفاقِ بيْن الزَّوجينِ، وبيَّنَ لكلِّ طرفٍ حُقوقَه ووَاجباتِه، كما حدَّدَ طُرقًا شرعيَّةً لإنهاءِ العَلاقةِ الزَّوجيَّةِ بالمعروفِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وإنَّ المُختلِعاتِ"، أي: اللَّواتي يَلتمِسْنَ الخُلْعَ ويَطلُبْنَ الطَّلاقَ مِن أزواجِهنَّ مِن غيرِ سَببٍ مُوجِبٍ لذلك، "والمُنتزِعاتِ" المُرادُ: اللَّاتي يَنتزِعْنَ أنفُسَهنَّ مِن أزواجِهنَّ، ويَنشُزْنَ عليهم بعدَمِ الطَّاعةِ، "هنَّ المُنافِقاتُ" وجعَلَهنَّ مُنافِقاتٍ؛ تَغليظًا وتَشديدًا؛ لأنَّهنَّ يُظهِرْنَ بذلك كراهةَ الزَّوجِ، وفي الباطنِ أنَّهنَّ يُرِدْنَ سِواهُ يَتزوَّجْنَ به بعدَ الخُلْعِ، والمُرادُ الزَّجرُ والتَّهويلُ، "وما مِن امرأةٍ تسأَلُ زوجَها الطَّلاقَ مِن غيرِ بأسٍ"، أي: مِن غيرِ شِدَّةٍ تُلْجِئُها إلى سُؤالِ المُفارَقةِ، "فتَجِدُ رِيحَ الجنَّةِ- أو قال: رائحةَ الجنَّةِ-"، أي: لمْ تَشُمَّها، وذلك على طَريقةِ الوَعيدِ والمُبالَغةِ في التَّهديدِ، أو أنَّ وقوعَ ذلكَ مُتعلِّقٌ بوقتٍ دونَ وقتٍ، أي: لا تجدُ رائحةَ الجَنَّةِ أوَّلَ ما يجدُها المحسنونَ يومَ القِيامةِ، أو لا تَجدُه أصلًا؛ لأنَّها بطَلبِها الخُلعَ دون سَببٍ تكون قد تعدَّتْ حدودَ اللهِ الذي قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]، ولأنه إضرارٌ بها وبزَوجهِا، وإزالةٌ لمصالحِ النِّكاحِ من غيرِ حاجة، وقد عَدَّ كَثيرٌ مِنَ العُلماءِ الوقوعَ في ذلك كَبيرةً من كبائرِ الذُّنوبِ