باب ما جاء في الرجل يصبح جنبا وهو يريد الصيام 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن الصباح قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو القاري، قال:
سمعت أبا هريرة يقول: لا ورب الكعبة، ما أنا قلت: "من أصبح وهو جنب فليفطر" محمد - صلى الله عليه وسلم - قاله (1).
علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحكامَ الدِّينِ وفصَّلَها لنا، ومِن ذلك أحكامُ الصِّيامِ.
وفي هذا الخبَرِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه: "لا ورَبِّ الكعبةِ، ما أنا قلتُ: مَن أصبَح وهو جُنبٌ فليُفطِرْ؛ محمَّدٌ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قالَه"، قيل: لعلَّ الجَنابةَ كِنايةٌ عَن الذي جامَعَ ودخَل عليه الفَجرُ وهو على حالِه ولم يُدرِكْ بالفَجرِ إلَّا بعدَ قَضاءِ نَهْمتِه، وقيل: هو مُتعلِّقٌ بخبَرٍ في الصَّحيحَين؛ فعَن أبي بكرِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ الحارثِ المخزوميِّ قال: سمعتُ أبا هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه يقُصُّ، يقولُ في قَصصِه: "مَن أدرَكَه الفجرُ جُنبًا فلا يَصُمْ"، فذكَرتُ ذلك لعَبدِ الرَّحمنِ بنِ الحارثِ- يَعني أباه- فأنكَر ذلك، فانطلَق عبدُ الرَّحمنِ، وانطلَقتُ معَه حتَّى دخَلْنا على عائِشةَ وأمِّ سَلمةَ رَضِي اللهُ عنهما، فسأَلَهما عبدُ الرَّحمنِ عن ذلك، قال: فكِلْتاهما؟ قالت: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُصبِحُ جُنبًا مِن غيرِ حُلُمٍ، ثمَّ يَصومُ"، أي: يَكونُ جُنبًا مِن جِماعِ زَوجاتِه، ثمَّ يصومُ، "قال: فانطَلَقْنا حتَّى دخَلْنا على مَرْوانَ"، وهو مَرْوانُ بنُ الحَكَمِ والي المدينةِ مِن قِبَلِ مُعاويَةَ بنِ أبي سُفيانَ، "فذَكَر ذلك له عبدُ الرَّحمنِ، فقال مَرْوانُ: عزَمتُ عليكَ إلَّا ما ذَهَبتَ إلى أبي هُرَيرَةَ، فرَدَدتَ عليه ما يَقولُ، قال: فجِئْنا أبا هُريرةَ، وأبو بَكرٍ حاضرٌ ذلك كلَّه، قال: فذَكَر له عبدُ الرَّحمنِ، فقال أبو هُريرةَ: أهُما قالَتَاه لك؟ قال: نعَم، قال: هُما أعلَمُ، ثمَّ ردَّ أبو هُريرةَ ما كان يَقولُ في ذلك إلى الفضلِ بنِ العبَّاسِ، فقال أبو هُريرةَ: سَمِعتُ ذلك مِن الفضلِ: ولم أسمَعْه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال: فرَجَع أبو هُريرةُ عمَّا كان يَقولُ في ذلك.
وهذه الرِّوايةُ تُبيِّنُ أصلَ المسألةِ، فالأمرُ مجرَّدُ خلافٍ، ثمَّ حُسِمَ الأمرُ بالسُّنَّةِ الثَّابتةِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي الحديثِ: بيانُ تَحرِّي الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم الدِّقةَ في الرِّوايةِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، والرُّجوعِ إلى ما صَحَّ منها، والتَّنْبيهِ على ما لم يصِحَّ( ).