‌‌باب ما جاء في العمرة من الجعرانة

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في العمرة من الجعرانة

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن مزاحم بن أبي مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن محرش الكعبي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «خرج من الجعرانة ليلا معتمرا، فدخل مكة ليلا، فقضى عمرته، ثم خرج من ليلته، فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج من بطن سرف، حتى جاء مع الطريق طريق جمع ببطن سرف»، فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس: هذا حديث حسن غريب ولا نعرف لمحرش الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث
‌‌

في هذا الحديثِ يُخبِرُ مُحرِّشٌ الكَعْبيُّ: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خرَج مِن الجِعْرَانةِ ليلًا مُعتمِرًا"، أي: مُحرِمًا للعُمرةِ، والجِعْرانةُ: مكانٌ بين مكَّةَ والطَّائفِ على سبعةِ أميالٍ (11 كم تقريبًا) مِن مكَّةَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نزَلَها حينما كان راجعًا إلى المدينةِ مِن غَزوةِ حُنَينٍ حيثُ قَسمَ غنائمَ حُنَينٍ، قال: "فدخَل مكَّةَ ليلًا، فقضَى عُمرتَه"، أي: أتَمَّها، "ثمَّ خرَج مِن ليلتِه"، أي: مِن مكَّةَ بعد أدائِه لعمرتِه راجعًا إلى الجِعرانةِ، "فأصبَح بالجِعرانةِ كبَائِتٍ"، أي: كان كمَنْ باتَ بها ولم يَخرُجْ ليلًا ولم يَكُن غائبًا عنها، "فلمَّا زالَتِ الشَّمسُ مِن الغَدِ"، أي: اليومِ التَّالي للَيلةِ عُمرتِه، "خرَج في بطنِ سَرِفَ" وهو: موضعٌ على ستَّةِ أميالٍ (10كم تقريبًا) مِن مكَّةَ، "حتَّى جاء مع الطَّريقِ طريقِ جَمْعٍ ببطنِ سَرِفَ"، أي: الطَّريقِ الواصلِ بين مكَّةَ والمدينةِ، "فمِن أجلِ ذلك خَفِيَتْ عُمرتُه على النَّاسِ"، أي: وذلك أنَّ بعضَهم لم يَدْرِ بخُروجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ليلًا.
وفي سُنن أبي دَاودَ: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم دخَل الجِعْرَانةَ، فجاء إلى المسجِدِ ركَع ما شاء اللهُ، ثمَّ أحرَم، ثمَّ استَوى على راحلتِه، فاستقبَل بطنَ سَرِفَ حتَّى لَقِي طريقَ المدينةِ، فأصبَح بمكَّةَ كبائتٍ"؛ فقيل: إنَّ لفظَ "فأصبَح بمكَّةَ كبائتٍ" فيه تَناقُضٌ؛ لأنَّه قال: "فأصبَح بمكَّةَ كبائتٍ"، وإنَّما يَنبَغي أن يكونَ: "فأصبَح بالجِعْرانةِ كبائتٍ"، ولعلَّه سهوٌ مِن الكاتبِ الأوَّلِ؛ لأنَّه لا خِلافَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لَمَّا اعتمَر مِن الجِعرانةِ كان ليلًا، وأنَّه عادَ في اللَّيلِ إلى الجِعرانةِ؛ فكيف يَقولُ: فأصبَح بمكَّةَ كبائتٍ؟! وقيل: قد يُؤيَّدُ لَفظُ "فأصبَح بمكَّةَ كبائتٍ" بأنَّ الجِعْرانةَ على ستَّةِ فَراسِخَ مِن مكَّةَ، ويُستبعَدُ قَطْعُ هذِه المسافةِ ذَهابًا وإيابًا والاعتِمارُ في ليلةٍ واحدةٍ.