‌‌باب ما جاء في الفطر والأضحى متى يكون؟

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الفطر والأضحى متى يكون؟

حدثنا يحيى بن موسى قال: حدثنا يحيى بن اليمان، عن معمر، عن محمد بن المنكدر، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس»: سألت محمدا: قلت له: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ قال: «نعم، يقول في حديثه، سمعت عائشة».: «هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه»
‌‌

حثَّ الشَّرعُ على التَّحرِّي في العِباداتِ، ومِنها رُؤيةُ هِلالِ رمَضانِ وأهِلَّةِ العيدَينِ، كما حثَّ على التَّمسُّكِ بالحَقِّ الَّذي اتَّفقَتْ عليه جماعةُ المسلِمين.
في هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "الفِطرُ يومَ يُفطِرُ النَّاسُ"، أي: إنَّ يومَ عيدِ الفِطرِ هو اليومُ الَّذي يتَوحَّدُ فيه النَّاسُ على إفطارِه، لا أن يَنفرِدَ أحدٌ بنَفْسِه لتَحْديدِ مَوعدِ ذلك اليومِ، وقيلَ: في هذا إِشَارَةٌ إلى يومِ الشَّكِّ وأنَّه لا يُصامُ احتياطًا وإنَّما يَصومُ المسلِمُ بصومِ الناسِ، وقيل: فيه الردُّ على مَن يقول: إنَّ مَن عرَف طُلوعَ القمرِ بتقديرِ حِسابِ المنازلِ جازَ له أنْ يصومَ به ويُفطِرَ دون مَن لم يَعلمْ، وقيل: إنَّ الشاهدَ الواحدَ إذا رأى الهلالَ ولم يَحكُمِ القاضي بشهادته فهذا لا يكونُ صومًا له كما لم يَكُنْ للنَّاسِ.
"والأضحَى يومَ يُضحِّي النَّاسُ"، أي: وكذلك يومُ عيدِ الأضحى هو اليومُ الَّذي يجتَمِعُ فيه النَّاسُ على الإقرارِ بأنَّه ذلك اليومُ، لا أنْ تختلفَ فيه الرُّؤى، فيَشِذَّ به قومٌ أو جماعةٌ عن عمومِ المسلِمين؛ وذلك لأنَّ الخطَأَ مَوضوعٌ عن النَّاسِ فيما كان سَبيلُه الاجتهادُ، فلَو أنَّ قومًا اجتهَدوا فلم يرَوُا الهِلالَ إلَّا بعدَ الثَّلاثين مِن شَعبانَ، ثمَّ صاموا ولم يُفطِروا حتَّى استَكمَلوا العَددَ لِرَمضانَ، ثمَّ ثبَت عِندَهم أنَّ شعبانَ كان تِسعًا وعِشرين فلا شيءَ عليهم مِن وزرٍ ولا قضاءٍ؛ لأنَّهم اجتَهَدوا وتَحرَّوا هلالَ رَمضانَ، إلَّا أن يَكونوا قد استَوفَوْا شعبانَ ثَلاثينَ دونَ اجتهادٍ وتحرٍّ لهلالِ رَمضانَ، ثمَّ ثبَتَ أنَّ شعبان كان تِسعًا وعِشْرين، فإنَّه يَجِبُ عليهم قَضاءُ يومٍ ولا وِزرَ عليهم، وكذلك الحَجيجُ إذا أخطَؤوا يومَ عرَفةَ فوَقَفوا اليومَ العاشِرَ، صحَّ حَجُّهم فلا قضاءَ عليهم، وذلك تَخفيفٌ مِن اللهِ تعالى، ورفقٌ بالعبادِ؛ لأنَّه لو كلَّفَهم أنْ يُعيدوا إذا أخطَؤوا العَددَ، لم يَأمَنوا الخطَأَ ثانيةً وثالثةً.