باب ما جاء في الميت يعذب بما نيح عليه 3

سنن ابن ماجه

باب ما جاء في الميت يعذب بما نيح عليه 3

 حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، حدثنا أسيد بن أبي أسيد، عن موسى الأشعري
عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالوا: واعضداه، واكاسياه، واناصراه، واجبلاه، ونحو هذا، يتعتع ويقال: أنت كذلك؟ أنت كذلك؟ ".
قال أسيد: فقلت: سبحان الله، إن الله يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الإسراء: 15] قال: ويحك، أحدثك أن أبا موسى حدثني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فترى أن أبا موسى كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ أو ترى أني كذبت على أبي موسى؟ (1)

لقدْ أمَرَ الشَّرعُ الحكيمُ بالصَّبرِ عندَ المصائِبِ، وخاصَّةً عندَ نُزولِ مُصيبةِ الموتِ، وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ أبو موسى الأشعريُّ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "الميِّتُ يُعذَّبُ ببُكاءِ الحيِّ"، واخْتُلِفَ في معنى العذابِ المرادِ هنا؛ فقيل: إنَّه بمعنى التَّألُّمِ، وقيل: بمعنى العذابِ الحقيقيِّ، "إذا قالوا: وَاعَضُدَاهُ، وَاكَاسِيَاهُ، وَانَاصِرَاهُ، وَاجَبَلَاهُ، ونحوَ هذا"، أي: يَنْدُبونَ ويَنُوحونَ ويُعَدِّدونَ هذه الصِّفاتِ، وأنَّه كان سنَدَهم وكاسِيَهم وحامِيَهم، "يُتَعْتَعُ"، أي: يُحَرَّكُ مِن مكانِه ويُنْهَرُ ويُزْجَرُ، "ويُقال: أنتَ كذلِكَ؟ أنتَ كذلِكَ؟"، أي: تقولُ الملائكةُ هذا القولَ زجْرًا له واستنكارًا لِمَا يُقال عنه.
وحمَلَ طائفةٌ مِن العُلماءِ ذلك على مَن أوْصَى به، أو كانت عادتُهم كذلك ولم يَنْهَهُم، فلمْ يُوصِ قبلَ موتِه بألَّا يُحْدِثوا قولًا ولا فعْلًا مُنْكرًا، وهذا كان مشهورًا عندَ العربِ؛ لأنَّه إذا غلَبَ على ظنِّه فعِلُهم له، ولم يُوصِهم بتَرْكِه، فقد وصَّى به، وصار كمَن ترَكَ النَّهيَ عن المُنكَرِ مع القُدرةِ عليه، فأمَّا إذا أوصاهم بتَرْكِه، فخالفوه؛ فاللهُ أكرَمُ مِن أنْ يُعذِّبَه بذلك.
فقال أَسِيدٌ وهو ابنُ أبي أَسِيدٍ مِن رُواةِ الحديثِ: "فقُلْتُ: سُبحانَ اللهِ! إنَّ اللهَ يقولُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]"، أي: أنَّ هذا الحديثَ ظاهِرُه يُعارِضُ ما جاء في هذه الآيةِ؛ وهو أنَّ الميِّتَ لا يتحمَّلُ وِزرًا مِن أهلِه، أو أيِّ نفْسٍ أُخرى بعدَ موتِه، فقال موسى بنُ أبي موسى الأشعريُّ: "وَيْحَكَ!"، وهي كلمةُ ترحُّمٍ وتوجُّعٍ، تُقال لِمَن وقَعَ في هَلَكةٍ لا يستحِقُّها، "أُحَدِّثُك أنَّ أبا موسى حدَّثَني عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتَرَى أنَّ أبا موسى كذَبَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ أو تَرَى أنِّي كذَبْتُ على أبي موسى؟!" أي: أنَّ هذا ليس به تعارُضٌ، لكنْ تُحْمَلُ الآيةُ على أنَّ الميِّتَ يَتحمَّلُ الوِزرَ إذا ما رضِيَ أو أوْصَى بهذا الفعْلِ.
وفي الحديثِ: الزَّجْرُ والتَّحذيرُ مِن اللَّطْمِ والنِّياحةِ على الميِّتِ( ).