باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها 3
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عبد ربه ابن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن المخدجي
عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمس صلوات افترضهن الله على عباده، فمن جاء بهن لم ينتقص منهن شيئا، استخفافا بحقهن، فإن الله جاعل له يوم القيامة عهدا أن يدخله الجنة، ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئا، استخفافا بحقهن، لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له" (2).
الصَّلاةُ أعظمُ رُكنٌ من أركانِ الإسلامِ بعد الشَّهادتَينِ، ولها أهميَّةٌ كبيرةُ في الشَّرعِ، وقد بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فضْلَها وثوابَ المُحافظةِ عليها، كما بيَّنَ خطَرَ التَّهاوُنِ في شأْنِها، كما يقولُ في هذا الحَديثِ يُخْبِرُ عُبادةُ بنُ الصَّامتِ رضِيَ اللهُ عنه: "سمِعْتُ رسولَ اللهِ عليه وسلم يقول: خمْسُ صلواتٍ افترَضَهنَّ اللهُ على عِبادِه"، أي: خمْسُ صلواتٍ في خمْسةِ أوقاتٍ مِن اليومِ واللَّيلةِ، جعَلَهُنَّ اللهُ فرضًا على عِبادِه، ولم يَفترِضْ غيرَهنَّ مثلَ الوتْرِ وغيرِه ممَّا يتطوَّعُ به المُسلِمُ، ولكنْ مَن تطوَّعَ فهو خيرٌ له؛ "فمَن جاء بهنَّ"، أي: مَن أدَّى هذه الصَّلواتِ الخمْسَ كاملاتِ الشُّروطِ والهيئاتِ والأركانِ، وقد أوضَحَتِ الرِّوايةُ الأُخرى ذلك؛ ففيها: "مَن أحسَنَ وُضوءَهنَّ"، أي: بإسباغِ الوُضوءِ وإعطاءِ كلِّ عضْوٍ حقَّه مِن الغَسْلِ والماءِ، "وصَلَّاهنَّ لوقتِهنَّ"، أي: في أوَّلِ وقتِهنَّ، "وأتَمَّ رُكوعَهنَّ وخُشوعَهنَّ"، أي: أتَمَّ أركانَها كاملةً، مع الخُضوعِ للهِ فيها بالقلْبِ أوَّلًا، ثمَّ يسْرِي إلى الجوارِحِ.قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لم يَنتقِصْ منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ"، أي: ولم يَنتقِصْ مِن ذلك كلِّه شيئًا، ولم تَفُتْه صلاةٌ منهنَّ وهو غيرُ مُبالٍ بهذا النَّقصِ، وهذا احْتِرَازٌ عمَّا إذا انْتَقَصَ مِن هذه الأُمورِ شيئًا سَهْوًا أو نِسيانًا؛ "فإنَّ اللهَ جاعلٌ له يومَ القِيامةِ عهدًا أنْ يُدْخِلَه الجنَّةَ"، أي: كان له ميثاقٌ وأمانٌ مِن اللهِ بإدخالِه الجنَّةَ؛ جزاءً على تِلك الصَّلاةِ؛ فوَعْدُه تعالى بإثابةِ عبْدِه على طاعاتِه عهدٌ موثوقٌ لا يُخْلَفُ، "ومَن جاء بهنَّ قدِ انتقَصَ منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ، لم يكُنْ له عندَ اللهِ عهْدٌ؛ إنْ شاء عذَّبَه، وإنْ شاء غفَرَ له"، أي: مَن لم يفعَلْ ما ذُكِرَ مِن المُحافظةِ عليها بل نقَصَها، ولم يُبَالِ بها عمدًا، فليس له على اللهِ عهدٌ بأنْ يغفِرَ له، بل إنْ شاء غفَرَ له، وإنْ شاء عذَّبَه، فوكَلَ أمْرَ التَّاركِ إلى مَشِيئتِه تعالى؛ إنْ شاء عذَّبَه، وإن شاء غفَرَ له، وهذا يَقتضي أنَّ المُحافِظَ على الصَّلواتِ يُوَفَّقُ للصَّالحاتِ بحيثُ يدخُلُ الجنَّةَ ابتداءً، كما قال اللهُ تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]. ... وقد جاء في سبَبِ ورُودِ هذا الحديثِ- كما جاء في روايةٍ أُخرى عندَ التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ-: أنَّ رجُلًا مِن بني كِنانةَ يُدْعَى المُخْدَجِيَّ، سمِعَ رجلًا بالشَّامِ يُدْعَى أبا مُحمَّدٍ يقولُ: إنَّ الوترَ واجِبٌ، قال المُخْدَجِيُّ-راوي الحَديثِ-: فرُحْتُ إلى عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ، فأخبَرْتُه، فقال عُبادةُ: كذَبَ أبو محمَّدٍ! سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: ... الحديثَ. وهذا بيانُ أنَّ الوتْرَ ليس بحَتْمٍ ولا واجِبٍ.