باب ما جاء في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم وأهله8
سنن الترمذى
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار قال: أخبرنا أبو حازم، عن سهل بن سعد، أنه قيل له: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي؟ يعني الحوارى، فقال سهل: «ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقي حتى لقي الله»، فقيل له: هل كانت لكم مناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «ما كانت لنا مناخل»، قيل: فكيف كنتم تصنعون بالشعير؟ قال: «كنا ننفخه فيطير منه ما طار، ثم نثريه فنعجنه»: " هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه مالك بن أنس، عن أبي حازم
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم يُمثِّلونَ القُدوَةَ لِمَن بَعدَهُم في الزُّهدِ، وعَدمِ الِانشِغالِ بِزينةِ الدُّنيا، فَلمْ تَكنْ مُنتَهى آمالِهم، بَل تَرَكوها خَلْفَهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ أبو حازمٍ سَلمةُ بنُ دِينارٍ أنَّه سَأَل الصَّحابيَّ سَهلَ بنَ سَعدٍ رضِيَ اللهُ عنه: هَل أكَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّقِيَّ؟ وهوَ الخُبزُ النَّقيُّ المَنخولُ دقيقُه مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ حتى نُقِّيَ مِن قُشورِه وما خَشُنَ منه، فَقالَ سَهلٌ: «ما رَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّقيَّ مِن حِينِ ابتَعَثَه اللهُ حتَّى قَبَضَه اللهُ!» فسَأَلَه أبو حازم: هَلْ كانَتْ لَكمْ في عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَناخِلُ؟ جمْعُ مُنخُلٍ، وهوَ ما يُنخَلُ بِه الدَّقيقُ، ويُفصَلُ به النَّاعمُ منه عن الخَشِن والقُشورِ، فقالَ سَهلٌ: ما رَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُنخُلًا مِن حينَ ابتَعثَه اللهُ حتَّى قَبَضَه، والتقييدُ بما بعد البَعثةِ يحتَمِلُ أن يكونَ احترازًا عمَّا قَبْلَها؛ إذ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سافر إلى الشَّامِ، والخُبزُ النَّقِيُّ والمناخِلُ وآلاتُ الترَفُّهِ بها كثيرةٌ، وأمَّا بعد ظهورِ النبُوَّةِ فلا شَكَّ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان في مكَّةَ والطَّائِفِ والمدينةِ، وقد اشتَهَر أنَّ سبيلَ العيشِ صار مُضيَّقًا عليه في هذه المدُنِ، وعلى أكثَرِ الصَّحابةِ اضطرارًا بسَبَبِ المقاطعةِ في مكَّةَ، ثمَّ الحُروبِ والغَزَواتِ بعد الهِجرةِ إلى المدينةِ مع مُشرِكي مكَّةَ ويهودِ المدينةِ، ولَمَّا أحلَّ اللهُ له الغنائِمَ اختار صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حياةَ الزُّهدِ وجعل ما أفاء اللهُ عليه في سبيلِ اللهِ.
ثم سأله أبو حازمٍ: كَيفَ كَنتُم تَأكُلونَ الشَّعيرَ غَيرَ مَنخولٍ؟ قال: كُنَّا نَطْحَنُه فيَصيرُ دَقيقًا ونَنفُخُه، فيَطيرُ ما طارَ من القُشورِ ونحْوِها، وَما بَقيَ «ثَرَّيناهُ»، أي: بَللْناهُ بالماءِ فعَجَنَّاهُ، ثم خَبَزْناهُ فأكَلْناهُ، وقيل: المعنى أنَّه جعَلْناه مَرَقًا وطبَخْناه ثم أكَلْناه.
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَعيشَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأَصحابِه، وبيانُ تَرْكِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّكلُّفَ في شأنِ الطَّعامِ.