باب ما قيل في لواء النبي - صلى الله عليه وسلم
بطاقات دعوية
عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أن قيس بن سعد الأنصاري رضي الله عنه- وكان صاحب لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد الحج فرجل (79)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائِدًا عَظيمًا، وكان يُقَسِّمُ الجَيشَ إلى مَجموعاتٍ مُتَناسِقةٍ مُتَوافِقةٍ فيما بيْنها، ومِن ذلك أنَّه كان يُحدِّدُ لكُلِّ قَومٍ أو قَبيلةٍ رايةً يُحارِبونَ تحْتَها، وهكذا عَلَّمَنا تَنظيمَ أُمورِ الدُّنيا مِنَ الحَربِ والسِّياسةِ، كما عَلَّمَنا أُمورَ الدِّين مِنَ العِباداتِ، مِثلَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والحَجِّ... وغَيرِ ذلك.
وفي هذا الحَديثِ يَروي ثَعلَبةُ بنُ أبي مالِكٍ القُرَظيُّ -مُختَلَفٌ في صُحبَتِه- أنَّ قَيسَ بنَ سَعدِ بنِ عُبادةَ رَضيَ اللهُ عنه كان صاحِبَ لِواءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، الَّذي يَختَصُّ بالخَزرَجِ مِنَ الأنصارِ، واللِّواءُ هو عَلَمُ الجَيشِ، وقيلَ: هو عَلامةُ جَماعةِ الأميرِ، يَدورُ معه حيث دارَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَغازيهِ يَدفَعُ إلى رأْسِ كُلِّ قَبيلةٍ لِواءً يُقاتِلونَ تَحتَه، وكانت رايةُ المُهاجِرينَ مع علِيٍّ، ورايةُ الأنصارِ مع سَعدِ بنِ عُبادةَ، وحَمَلَها ابنُه قَيسٌ، وكان قَيسٌ رَضيَ اللهُ عنه أرادَ الحَجَّ في إحدى السَّنَواتِ، فرَجَّلَ شَعْرَه، مِنَ التَّرجيلِ، وهو تَسريحُ الشَّعرِ وتَنظيفُه وتَحسينُه بالمُشطِ، وذلك قبْلَ أنْ يُحرِمَ بالحَجِّ؛ حتَّى يُحافِظَ على شَعرِه مِن الشَّعَثِ لِأطوَلِ مُدَّةٍ.
وزاد البَيهقيُّ في الكُبرَى والطَّبرانيُّ: «فرَجَّلَ أحَدَ شِقَّيْ رأْسِه، فقامَ غُلامٌ له فقَلَّدَ هَدْيَه، فنَظَرَ قَيسٌ، فإذا هَدْيُه قد قُلِّدَ، وأهَلَّ بالحَجِّ ولم يُرَجِّلْ شِقَّ رأْسِه الآخَرَ»، وذلك لِئلَّا يَكونَ مُستَعمِلًا لِلرَّفاهيةِ، والمُرادُ مِنَ المُحرِمِ الشَّعَثُ، وإنْ كان فِعلُ عَبدِه لا يُكسِبُه فِعلًا، لكِنَّه يَحتَمِلُ وَجهَيْن: أحَدُهما: أنْ يَكونَ أمَرَه بالتَّقليدِ، والآخَرُ: سُلوكُ طَريقِ الوَرَعِ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةٌ ومَنقَبةٌ لِقيَسِ بنِ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّرجيلِ قبْلَ الإحرامِ.
وفيه: اتِّخاذُ العَلَمِ والرَّايةِ واللِّواءِ في الحَربِ.