باب ما يدل على ترك الكلام فى الفتنة
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا القاسم بن الفضل عن أبى نضرة عن أبى سعيد قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ».
حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من البدع والغلو في الدين؛ لأن ذلك يؤدي إلى إفساد المجتمعات، وربما أدى التشدد مع عدم الفقه في الدين إلى تبديع وتكفير المجتمعات المسلمة، والخروج على الحكام بغير وجه حق
وفي هذا الحديث يروي أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أناسا يكونون في أمته، ويريد أمة الإجابة؛ فهم مسلمون، يخرجون ويظهرون في وقت افتراق وخلاف يحدث بين المسلمين، «سيماهم التحالق»، أي: من علاماتهم حلق رؤوسهم وإزالة الشعر، أو إزالة شعر الرأس خاصة، دليل على زهدهم في زينة الدنيا، وهؤلاء هم أسوأ وأشر الخلق، أو قال: «من أشر الخلق»؛ لأنهم أكثر الناس تسببا في وقوع الشر وظهور الفساد بين العباد في البلاد، وإذا وقع القتال بينهم وبين الناس، فسيقتلهم أقرب الفريقين المختلفين إلى الحق، وقد كان أول خروجهم في عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقاتلهم بمن معه
و«ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثلا، أو قال قولا» يعني: أنه صلى الله عليه وسلم شبههم في خروجهم من الدين كالرجل الذي يرمي الرمية -وهو الصيد- بالسهم، «أو قال: الغرض» وهو الذي يصوب عليه، ويشمل الصيد وغيره، فإذا رمى الصيد بالسهم، ذهب لينظر في النصل -وهو القطعة الصلبة المدببة المسنونة التي في مقدمة السهم- فلا يجد فيه أثر الدم، ويدقق الرامي النظر أكثر وأكثر؛ لعله يجد ما يريد، فينظر إلى «النضي» وهو عود السهم، فلا يجد أي أثر للدم، وينظر أيضا في «الفوق» وهو الحز الذي يجعل فيه وتر القوس، فلا يجد أي أثر للدم، فخروجهم من الدين كخروج السهم السريع الذي يصيب الصيد، فيدخل فيه ويخرج منه سريعا جدا دون أن يتعلق به أي أثر منه لشدة سرعة خروجه من الهدف، وهكذا هم يدخلون في الدين ويسرعون فيه، ويشتدون دون أن يأخذوا شيئا منه، بل يسرعون في الخروج منه
قال أبو سعيد رضي الله عنه: «وأنتم قتلتموهم، يا أهل العراق!»؛ يشير إلى واقعة النهروان سنة ثمانية وثلاثين من الهجرة التي قاتلهم فيها علي رضي الله عنه، وانتصر عليهم
وفي الحديث: علم من أعلام النبوة، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع بعده من فتن، وقد وقع كما أخبر.
وفيه: التحذير من اتباع الفئة الضالة الخارجة عن الإسلام.
وفيه: بيان علامات وأمارات الخوارج.