باب ما يستحب من إعماق القبر
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا إسحق بن يوسف، قال: حدثنا سفيان، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن هشام بن عامر، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقلنا: يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احفروا وأعمقوا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد»، قالوا: فمن نقدم يا رسول الله؟ قال: «قدموا أكثرهم قرآنا»، قال: فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد
كان يومُ أُحُدٍ من أصْعبِ الأيامِ وأشدِّها على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وعلى الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم؛ لكَثرةِ القَتْلى الَّذين وقَعوا منهم
وفي هذا الحديثِ يَقولُ هِشامُ بنُ عامِرٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "شكَوْنا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يومَ أُحُدٍ"، أي: حَفْرَ القُبورِ لقَتْلى المسلِمين؛ لِما فيه مِن الجُهْدِ والمشقَّةِ لكَثرةِ الجِراحِ فيهم، "فقُلنا: يا رَسولَ اللهِ، الحَفْرُ علينا لكلِّ إنسانٍ شَديدٌ؟"، أي: لا نَقْوى ولا نَقدِرُ على احْتِواءِ كلِّ شَهيدٍ في قَبرٍ بمُفرَدِه، فما العَملُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "احْفِروا"، أي: القُبورَ، "وأَعْمِقوا"، أي: زِيدوا في عُمْقِها، "وأَحْسِنوا"، أي: أَبْعادَ الحَفْرِ بتَسْويَةِ قَعرِه؛ ارتِفاعًا وانخِفاضًا، وتَنقيتَه مِن التُّرابِ والقَذاةِ، ونحوِ ذلك، "وادفِنوا الاثنين والثَّلاثةَ في قَبرٍ واحِدٍ"، أي: جماعَةً، فقال الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم: "فمَن نُقدِّمُ يا رسولَ اللهِ؟"، أي: مَن الَّذي نَجعلُه مُقدَّمًا إلى جِدارِ اللَّحدِ؛ ليكونَ أقرَبَ إلى الكَعبةِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "قَدِّموا أكثَرَهم قُرآنًا"، أي: أَحفَظَهم للقُرآنِ، ثمَّ الأقلَّ حِفظًا، وهكذا. قال هِشامٌ رَضِي اللهُ عَنه: "فكان أَبي"، وهو عامِرُ بنُ أُميَّةَ رَضِي اللهُ عَنه، "ثالِثَ ثَلاثةٍ في قَبرٍ واحِدٍ"، وفي رِوايةٍ: "وكان أكثَرَهم قُرآنًا فقُدِّمَ"
وفي الحَديثِ: بيانُ فَضلِ حافِظِ القُرآنِ
وفيه: مَشروعيَّةُ دَفنِ الجَماعةِ في قَبرٍ عند الضَّرورةِ