باب ما يكره من الحلف في البيع
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: أن رجلا أقام سلعة وهو في السوق، فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعط؛ ليوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزلت: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}
شَأنُ الحَلِفِ عَظيمٌ، وقدَّ شَدَّدَ الإسلامُ في أمْرِه، لا سيَّما اليمينِ الكاذبةِ التي يَقتطِعُ بها المرْءُ مالَ أخيهِ المسلمِ بغيرِ حقٍّ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ أبي أَوْفى رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَجلًا عرَضَ سِلعةً له في السُّوقِ وأخَذَ يُروِّجُّ لها، فحَلَفَ هذا البائعُ باللهِ: لقدْ دَفَعَ بَدَلَ سِلعَتِه هذه مَبْلَغًا مُعيَّنًا، وهو كاذبٌ في يَمينِه هذه، ويَفعَلُ ذلك؛ رَغبةً في شِراءِ رجُلٍ مِن المسلمينَ سِلْعتَه، فنَزَلَ فيه قَولُ اللهِ تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ}، أي: يَستبدِلون؛ وذلك لأنَّ المُشترِيَ يَأخُذُ شَيئًا ويُعطي شَيئًا، فكلُّ واحدٍ مِن المُعطى والمأخوذِ ثَمَنٌ للآخَرِ، {بِعَهْدِ اللَّهِ}، أي: بما عاهَدوا عليه مِنَ الإيمانِ بِالرَّسولِ والوَفاءِ بالأماناتِ، {وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} والمرادُ بأيمانِهم: الأيمانُ الكاذبةُ التي يَحلِفُونها ليُؤكِّدوا ما يُرِيدون تَأكيدَه مِن أقوالٍ أو أفعالٍ، والمعْنى: يَستبدِلون بعَهْدِ اللهِ وأيْمانِهم حُظوظَ الدُّنيا وشَهواتِها الزائلةَ نحْوَ المالِ والمنافعِ وغيرِها. ووُصِفَ الثَّمنُ هنا بالقِلَّةِ تَحقيرًا له؛ إذ إنَّه نَظيرُ خِيانةِ عهْدِ اللهِ، والاجتراءِ على اليمينِ الكاذبةِ، فلا يكونُ إلَّا قَليلًا وإنْ بَلَغَ ما بَلَغَ مِن أعراضِ الدُّنيا، بجانبِ رِضا اللهِ والوَفاءِ بعُهودِه. ثمَّ ذَكَرَ سُبحانه عُقوبةَ مَن تَلبَّسَ بهذه الكبيرةِ فقال: {أَولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} يعني: لا نَصيبَ لهم ولا حَظَّ في نَعيمِ الآخرةِ، ولا يُكلِّمُهمُ اللهُ بما يَسُرُّهم، بلْ يُكلِّمُهم بما يَسُوؤهم ويُخْزِيهم، {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: ولا يَنظُرُ إليهم نَظَرَ رَحمةٍ وعطْفٍ ولا نَظرًا يَسُرُّهم، {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} مِنَ الذُّنوبِ وَالأدناسِ بالمغفرةِ، ولا يُثْني عليهم كما يُثْني على الصَّالحينَ مِن عِبادِه، بلْ يَسخَطُ عليهم ويَنتقِمُ منهم جَزاءَ غَدْرِهم، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مُوجعٌ بسَببِ ما ارْتَكبوه. وهو وَعيدٌ شَديدٌ في اليمينِ الغَموسِ؛ لِما جَمَعَت مِن المَعاني الفاسِدةِ، ومنها: كَذِبُه في اليَمينِ باللهِ تعالَى، وخِداعُه في سِلعتِه مَن يَقَعُ فيها مِن أجْلِ يَمينِه، واستِحلالُه مالَ المُشتري بالباطلِ، وهو الثَّمنُ القليلُ الَّذي لا يَدومُ له في الدُّنيا.