باب ما يكره من الشروط في المزارعة
بطاقات دعوية
عن رافع رضي الله عنه قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلا (وفي رواية: مزدرعا 3/ 68)، وكان أحدنا يكري أرضه، فيقول: هذه القطعة لي، وهذه لك، فربما أخرجت ذه، ولم تخرج ذه، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم -[عن ذلك (5)، ولم ننه عن الورق 3/ 175، وفي رواية: وأما الذهب والورق (6)، فلم يكن يومئذ]
حِفْظُ المالِ مِن مَقاصدِ الشَّريعةِ الضَّروريَّةِ، فكُلُّ ما مِن شَأنِه أنْ يَضُرَّ بأحدِ طَرَفَيِ العقْدِ، أو يَترتَّبَ عليه مُخاطَرةٌ بضَياعِ المالِ؛ فهو مَمنوعٌ، ولذلك نَهَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن هذه الصُّورةِ مِن المُزارعَةِ التي أخبَرَ عنها رافعُ بنُ خُدَيْجٍ في هذا الحديثِ؛ فإنَّهم كانوا يُؤجِّرون أرضَهُم للزِّراعةِ، فيَقولُ المُؤجِّرُ: هذه القطعَةُ لي، وهذهِ لكَ، يعنِي: ما أَخْرَجتْ هذه القِطعةُ مِن الأرضِ فثِمارُها لي، وما أخْرجَتْ هذه القِطعةُ الأُخرى فثِمارُها لكَ، فرُبَّما أَخرَجت إحْدى القِطعَتين ولم تُخرِجِ الأُخرَى؛ ولذلك نَهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن هذه الصُّورةِ لحُصولِ المُخاطَرةِ؛ لأنَّه رُبَّما تُخرِجُ هذه القطعَةُ المُستثناةُ ولا يُخرِجُ سِواها، أو بِالعكسِ، فيَفوزُ صاحبُ هذه بكُلِّ ما حصَلَ، ويَضيعُ حقُّ الآخَرِ بالكُلِّيَّةِ، وقولُ رافعٍ: «كُنَّا أكثرُ أهلِ المدينةِ حَقْلًا»، أي: أكثرُها زَرْعًا.
وهذا الحديثُ يدُلُّ على أنَّ الَّذي نَهى عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان أمْرًا بيِّنَ الفسادِ، وهي المُزارَعةُ الظالمةُ الجائرةُ، فلذلك زَجَرَ عنها، وأمَّا بشَيءٍ مَعلومٍ مَضمونٍ بالمالِ فلا شَيءَ فيه.
ولا يُخالِفُ ذلك ما صالَحَ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَهودَ خَيْبرَ على أنْ يَزْرَعوا الأرضَ ولهم النِّصْفُ، وللنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النِّصْفُ، وظَلَّ العملُ به إلى مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبه عَمِلَ الخُلفاءُ الرَّاشدون مِنْ بَعْدِه؛ فالمُزارَعةُ على جُزءٍ مِن الثَّمَرِ غيرُ المُزارَعةِ والمُؤاجَرةِ على تَخصيصِ أرضٍ بما تُنبِتُه.