باب مانفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا طالب 1
بطاقات دعوية
عن العباس بن عبد المطلب أنه قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو في ضحضاح (2) من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.
العذابُ في النَّارِ ليْس على دَرَجةٍ واحدةٍ، بلْ هو مُتفاوِتٌ؛ فبَعضُ أهلِ النَّارِ أخَفُّ في العذابِ مِن بَعضٍ، ومع أنَّ الشَّفاعةَ مَنفيَّةٌ في حقِّ الكافِرين فإنَّ اللهَ خَصَّ منها شَفاعةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعَمِّه أبي طالبٍ فقَبِلَها؛ فقدْ كان يُسانِدُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رسالتِه، ويُدافِعُ عنه إلَّا أنَّه قدْ مات على الكُفرِ.
وفي هذا الحَديثِ سَأَل العَبَّاسُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ رضِيَ اللهُ عنه رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له: «يا رسولَ الله، هلْ نَفَعْتَ أبا طَالِبٍ بِشَيْءٍ؟ فإنَّه كان يَحُوطُك» أي: يَحفَظُك ويَرعاك، «ويَغْضَبُ لك» يشيرُ به إلى ما كان يَرُدُّ به عنه من قَولٍ وفِعلٍ؛ فقد قام في نُصرَتِه، وذَبَّ عنه مَن عاداه، ومدَحَه عِدَّةَ مدائِحَ، فأجابه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «نَعَمْ» نفَعْتُه، وفي الصَّحيحينِ أنَّ شفاعَتَه لعَمِّه ستقعُ له يومَ القيامةِ، فيكونُ في «ضَحْضَاحٍ مِن نارٍ»، أي: في مَوضعٍ قَريبِ القَعْرِ خَفِيفِ العَذابِ «لوْلا أنا لكان في الدَّرْكِ الأسفلِ مِن النَّارِ» وهو الطَّبَقُ الذي في قَعْرِ جَهَنَّمَ، والنَّارُ سَبْعُ دَرَكاتٍ، سُمِّيتْ بذلك لأنَّها مُتَدارِكة مُتَتابِعةٌ بعضُها فوقَ بعْضٍ.
وفي الحَديثِ: أنَّ اللهَ قدْ يُعطي الكافِرَ عِوَضًا مِن أعمالِه التي مِثلُها يكونُ قُربةً لأهلِ الإيمانِ باللهِ تعالَى.
وفيه: بيانُ أنَّ عذابَ الكُفَّارِ مُتفاوِتٌ.
وفيه: بيانُ أنَّه لا تنفَعُ محبَّةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المحبَّةَ الطبيعيَّةَ، وإنما تنفَعُ المحبَّةُ الدينيَّةُ الإيمانيَّةُ التي تتمثَّلُ في اتِّباعِ سُنَّتِه، والاقتداءِ به عقيدةً وسُلوكًا.
وفيه: بيانُ أنَّ القرابةَ المجرَّدةَ لا تنفَعُ، وإنما ينفَعُ القُربُ الدينيُّ، وإن كانت الأنسابُ غَريبةً.