باب: متى يقع طلاق الصبي 3
سنن النسائي
أخبرنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثنا يحيى، عن عبيد الله، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه»
جَعَلَ الشَّرعُ البلوغَ والإدراكَ حدًّا لتَكليفِ المسلمِ، فإذا بلَغَ الذَّكَرُ سِنَّ الاحتلامِ فإنَّه يُكلَّفُ بكلِّ تَكاليفِ الشَّرعِ ويُحاسَبُ على ما فَعَلَ؛ إنْ خَيرًا فخَيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ، وكذلك المرأةُ إذا حاضَت
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا كانت غزوةُ أُحدٍ في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهجرةِ، عَرَضَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صِغارَ السِّنِّ؛ ليَنظُرَ إليهم إذا كانوا صالِحين للمُشاركةِ في المعركةِ أمْ لا، وكانت سِنُّ ابنِ عمرَ حينئذٍ أربعَ عشْرةَ سَنةً، فلم يُجِزْهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أي: لم يَأذَنْ له أنْ يكونَ مع المقاتِلين، بل ردَّه؛ لصِغَرِهِ، ولم يَرَه يُطيقُ القِتالَ، ثمَّ لَمَّا كانتْ غَزوةُ الخندق في السَّنةِ الخامسةِ مِن الهجرةِ، عُرِض عليه وكان ابنَ خمْسَ عشْرةَ سَنةً، فأجازهُ، فكان مع جَيشِ المسلمينَ
واستُشكِلَ أنَّ غَزوةَ الخَندقِ كانت في سَنةِ خَمْسٍ، فيكونُ سِنُّ ابنِ عمَرَ سِتَّ عشْرةَ سَنةً وليس خمْسَ عشْرةَ سَنةً، وأُجِيبَ عن ذلك بأنَّ قولَ ابنِ عمَرَ: «عُرِضْتُ يومَ أُحدٍ وأنا ابنُ أربَعَ عشْرةَ»، أي: دَخَلْت فيها، وأنَّ قولَه: «عُرِضْتُ يومَ الخَندقِ وأنا ابنُ خمْسَ عشْرةَ»، أي: تَجاوزْتُها، فألْغى الكسْرَ في الأُولى وجَبَره في الثَّانيةِ، وهو شائعٌ مَسموعٌ في كَلامِهِم
قال نافعٌ -مَولى ابنِ عُمرَ ورَاوي الحديثِ عنه-: فقَدِمتُ على عُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ وهو خَليفةُ المسلمينَ، فحَدَّثته هذا الحديثَ، فاستَنْبطَ منه عمرُ بنُ عبد العزيز أنَّ هذه السِّنَّ هي الحدُّ الفاصلُ بيْن الصَّغيرِ والكبيرِ، فكَتَب عمرُ إلى عُمَّالِه في البلاد، أنْ يَفْرِضُوا ويُعطوا مِن دِيوانِ الجُندِ عَطاءً لكلِّ مَن بلَغَ خَمْسَ عَشرةَ سنةً إذا حَضَروا المعاركَ
وفي الحديثِ: أنَّه على الحاكمِ أنْ يَنظُرَ في أمورِ رَعيَّتِه بما يَراهُ مَصلحةً لها، ومِن ذلك تَحديدُ سِنِّ المحارِبِينَ والمُجاهدِينَ